كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن

الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع، الذين يكدرون الماء، ويغلون الأسعار، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، فقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء) وقال أيضاً: (وهذا الصنف شر البرية، رؤيتهم قذى العيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الدار، ويغلون الأسعار، لا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار، وعند أنفسهم أنهم يعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، ويعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، وينطقون ولكن عن الهوى ينطقون، ويتكلمون ولكن بالجهل يتكلمون ..) (¬1).
ومن الأدوية النبوية لعلاج ضعف الهمة: المداومة على الأعمال الصالحة والاستمرار عليها وإن قلت.
عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة فقال: «مَنْ هذه؟» قالت: فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا» وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه (¬2).

قال الإمام النووي - رحمه الله -: بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة.
¬_________
(¬1) مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (1/ 134) نقلاً عن كتاب علو الهمة للشيخ الفاضل محمد بن أحمد بن إسماعيل - حفظه الله - وننصح بقراءته فإنه كتاب نافع ومفيد.
(¬2) رواه البخاري (ح43) كتاب الإيمان: باب (أحب الدين إلى الله أدومه).

الصفحة 45