كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن
وقال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: إنما أحب الدائم لمعنيين:
أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها (¬1)، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه.
ثانيهما: أن مداومة الخير ملازم للخدمة، وليس مَنْ لازم الباب في كل يوم وقتاً ما كمَنْ لازم يوماً كاملاً ثم انقطع. وزاد المصنف ومسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «ما دووم عليه وإن قل» (¬2)
رابعاً: تقديم طلب العلوم الأخرى على القرآن:
(إن عدم المنهجية في طلب العلم لدى كثير من طلاب العلم، وعدم التلقي عن العلماء؛ أدى إلى ذلك التخبط، وذلك الغبش الذي أصاب الكثير منهم، حتى قدموا كلام البشر على كلام رب البشر، وأقبلوا على حفظ المتون في شتى الفنون، وما حفظوا كلام الله الذي هو أساس العلوم، وما هكذا فعل السلف الصالح، ولا هذه طريقتهم في طلب العلم) (¬3).
¬_________
(¬1) قلنا: الحديث الوارد في ذلك ضعيف. عن أنس مرفوعاً: «عُرضت عليَّ أجور أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليَّ ذنوب أمتي، فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن، أو آية أوتيها رجل ثم نسيها». راجع ضعيف الترمذي (558) وضعيف أبي داود (71، 317) وكذلك ضعيف الجامع (5153).
(¬2) فتح الباري للإمام الحافظ ابن حجر - رحمه الله - (1/ 127) طبعة الريان.
(¬3) الكلمات الحسان فيما يعين على الحفظ والانتفاع بالقرآن لمحمد بن مصطفى بن أحمد بن شعيب
ص (5) طبعة مكتبة آل ياسر، الطبعة الأولى.
الصفحة 46
416