كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن
خامساً: قراءة القرآن عند القبر:
قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -:
(وقراءة القرآن عند زيارة المقابر، أو عندها، لا أصل له في السنة، إذ لو كانت القراءة مشروعة لفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمها أصحابه، لاسيما وقد سألته عائشة - رضي الله عنها - وهي من أحب الناس إليه، عما تقول إذا زارت المقابر، فعَلَّمها السلام والدعاء، ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن؛ فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الأصول، فكيف بالكتمان، ولو أنه - صلى الله عليه وسلم - علَّمهم شيئاً من ذلك لنُقِلَ إلينا، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع.
ومما يقوي عدم المشروعية قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة» (¬1) فقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن القبور ليست موضعاً للقراءة شرعاً، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت، ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعاً للصلاة أيضاً، وهو قوله: «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً» (¬2)، أخرجه مسلم وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه، وترجم له بقوله: (باب كراهية الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر ولا فرق.
ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم كراهة القراءة
¬_________
(¬1) رواه مسلم (780) والترمذي (2880).
(¬2) أخرجه مسلم (2/ 187) وغيره عن ابن عمر.
الصفحة 58
416