كتاب التيجان في ملوك حمير

منهم: مهلاً مهلا فإن في هلكه هلاككم، ولكن اسمعوا منه يتم لكم عزكم فإن عنده علماً. قال تبع: أما إذا كنتم قد اجتمعتم على قتلي فادفنوني قائماً ليتم لكم عزكم ولا يخرج منكم ملككم، ثم دعا ابنه حسان فأوصاه أن يأتي جبلاً باليمن إذا هو ملك، ثم ينظر من يأتيه من ذلك الجبل فيأكل ما أطعم ويشرب ما سقى ويفعل ما أمر. ثم وثبوا على تبع فقتلوه فأرادوا أن يدفنوه قائماً فلم يستقر لهم ومكثوا يعالجون ذلك منه حتى ملوا وضجروا وقالوا: أشقيتنا حياً وميتاً وندموا على قتله، فدفنوه مضطجعاً، ثم ولوا أمرهم حسان بن تبع - وكان ملك تبع ثلاثمائة سنة وعشرين سنة - فلما أراد حسان الخروج إلى الجبل الذي أمره أبوه تبع استخلف آخاه معد يكرب وانطلق حتى أتى الجبل والموضع فلقيته امرأة فرحبت به وقالت: اقعد، فلما أراد القعود إذ هو بدود كثير على فراشه ووساده فأبى أن يقعد، ثم قدمت إليه رؤوس الناس وقالت: كل من هذا فأبى أن يأكل وقال: أقعدتيني وأطعمتيني رؤوس الناس لا حاجة لي في هذا. قالت له: ويحك ما أبعد حظك من حظ أبيك وما أقل ما تملك قومك؟ إذا ما عصيتني فاشرب ما في هذا الإناء فإذا فيه دم فقال: لا حاجة لي في هذا قالت: هذا الذي أوصاك به أبوك وإن الأمر الذي كان يعمل به أبوك من عندنا أصابه، فأما إذا لم يكن لك نصيب مثل نصيب أبيك فاقتل من أمرك بقتل أبيك وبقاؤك في قومك قليل، ثم رجع فسألته أمه لما ذهب له فقال لها: صنع لي
هكذا وقيل لي هكذا! فقالت: لو أنك جلست على الدود لاستوطأت الملك ومد لك في العمر ولو أكلت الرؤوس دانت لك حمير وذلت لك العرب وأهرقت دماء أهل الأرض.
قال معاوية: لله أبوك يا عبيد، ثم صنع حسان ماذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أقام حسان بحمير زماناً لا يغزو بهم، حتى طمع في ملكهم ناس

الصفحة 494