كتاب التيجان في ملوك حمير

من أهل اليمن وجرهم - وكان باليمامة حيان يقال لهما طسم وجديس وهما ابنا لاوذ بن ارم بن سام بن نوح، وهما من العرب العادية، وكان منزلهما باليمامة، وكان اسمها يومئذ جو القرية بنفسها - قال: وكان طسم ظلوماً غشوماً لا ينهاه شيء عن هواه مع أضراره بجديس وتعديه عليهم وقهره إياهم وإذلاله لهم، فثبت في ذلك عصراً من دهره وقد غير عليهم النعمة وانتهك الحرمة - وكانت بلادهم أفضل البلاد وأهناها وأكثرها خيراً وأقربها مسيراً - ولهم أصناف الثمار من النخيل والأعناب في دار أنيقة وقصور مصطفة، فلم يزل ملكهم على ذلك حتى أتته امرأة من جديس وزوج لها قد كان فارقها فأراد قبض ولده منها فأبت عليه حتى دار بينهما كلام، فارتفعا إلى الملك عمليق - وكان اسم المرأة هزيلة واسم زوجها قاشراً - فلما وقفا بين يدي الملك سألهما عن حججهما فقالت له هزيلة: أيها الملك إني امرأة حملته تسعاً وأرضعته سبعاً، ولم أر منه نفعاً حتى إذا تمت أوصاله واستوى وصله أراد أن يأخذ كرهاً ويتركني ورهاء. قال زوجها: أخذت المهر كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا وليداً جاهلاً فافعل ما كنت فاعلاً. قال: فأمر الملك بالغلام أن يقبض منها وإن يجعل في غلمانه وقال لهزيلة: أبغيه ولداً ولا تنكحي أحداً؟ قال هزيلة: أما النكاح فبالمهر وأما السفاح بالقهر وما لي فيها من أمر! فأمر عمليق عند ذلك أن تباع هزيلة وزوجها ويرد على زوجها خمس ثمنها ويسترق ويرد على هزيلة عشر ثمن زوجها ويسترق. فقالت هزيلة في ذلك هذا الشعر وهي تقول:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فابرم حكماً في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورعاً ... ولا كنت فيما يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم واني لغرة ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما

الصفحة 495