كتاب موسوعة الأخلاق - الخراز

وتخلقوا بقيمه، لكان الحال غير الحال.
وهذه قضية مهمة جداً، وهي الدعوة إلى الله سبحانه بوجوب التحلي بالعمل بعد العلم، فإن أهم ما يُميز الإنسان المسلم صورة تعامله مع الله، ومع إخوانه في الدين، ومع غيرهم، وهذه الصورة هي أول منظر يُرى به المسلم مع الله سبحانه، ومن محيطه، فإن أحسن، أرضى ربه ورضي عن نفسه، وأعطى صورة رائعة للآخرين عن هذا الدين، وعن معتقديه، فكأنه دعا بلسان الحال، وليس بلسان المقال إلى دينه دعوة أبلغ إلى القلب والعقل معًا وأوصل.
فالاستقامة على الأخلاق لها أثر كبير، ونفعها بليغ، ولا أدل على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة، حتى شهدوا له بالصدق والأمانة.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214]. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيتَكُم لو أَخبَرتكُم أن خَيْلًا تخرُجُ بِسَفحِ هذا الجبلِ، أكُنتم مُصدقيّ؟ " قالوا: ما جرّبنا عليك كذبًا. قال: "فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ" (¬1).
وقد بدأ انعكاس الصور السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار هذا الدين في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحيين، مارسوا سلوكهم الرشيد، فكانوا كحامل مصباح ينير
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (8/ 827 الفتح) ومسلم (208) في كتاب الإيمان.

الصفحة 42