كتاب موسوعة الأخلاق - الخراز

طريقه لنفسه بمصباحه، فيرى الآخرون ذلك النور ويرون به، وليس أجمل منه في قلب الظلام، وبناء على ذلك الإقبال سريعا دون دافع سوى القدوة الحسنة، فرب صفة واحدة مما يأمر به الدين تترجم حية على يد مسلم صالح يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشرة؛ لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذي تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن من تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التي هي أول ما يُرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يحكم له أو عليه.
وُيذكر أنَّ قُتيبة بن مسلم الباهلي (¬1) (القائد المسلم الفاتح المشهور) عندما فتح سمرقند احتج أهلها وشكوا ظلمًا أصابهم، وتحاملًا من قتيبة عليهم، وأرسلوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، فأجلس لهم عمر بن عبد العزيز القاضي جميع بن حاضر الناجي، فقضى بخروج عرب سمرقند -وهم قتيبة وجنوده- إلى معسكرهم، وينابذوهم على سواء، فيكون صلحًا جديدًا أو ظفرًا عنوةً.
فقال أهل الرأي من أهل سمرقند: بل نرضي بما كان، ولا نجدِّد حربًا. وتراضوا بذلك، وقالوا: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمِنونا وأمناهم" .. فتركوا الأمر ورضوا ولم ينازعوا.
قلت: وذلك أنهم شاهدوا صدق المعاملة، والعفة والأمانة والمعروف
¬__________
(¬1) ينظر "تاريخ الطبري" (4/ 69)، وترجمته في "وفيات الأعيان" (1/ 428) "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (5/ 4) و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 410)، و"الأعلام" للزركلي (5/ 189).

الصفحة 43