كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

وهكذا أهل الباطل في كل زمان يعملون بكل جد في نصرة باطلهم، لكن يجب على المسلمين الثبات والصبر والتعاون لرد عدوان المشركين بالأساليب المناسبة لكل حالة.

الهجرة إلى الحبشة وأسبابها
اشتدَّ أذى المشركين على من آمن، وفتنوا جماعة حتى إِنهم كانوا يضربونهم ويُلقونهم في الحرِّ ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحرّ، حتى إِنّ أحدهم إِذا أُطْلِق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم، فيقولون لأحدهم: اللاتُ إِلهك من دون الله؟ فيقولُ مكرهَّا: نعم. حتى إِن الجُعل ليمر فيقولون: وهذا إِلهك من دون الله، فيقول: نعم (¬1).
وعن عبد الله بن مسعود قال: كان أول من أظهر إِسلامه سبعة، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأمّا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فمنعه الله بعمّه أبي طالب، وأمّا أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد، إِلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إِلا بلالًا، فإِنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحدٌ أحد (¬2).
كان بلال عبدًا لبعض بني جُمح مولَّدًا من مولّديهم، كان صادق الإِسلام، طاهر القلب، وكان أميّة بن خلف يُخْرِجُه إِذا حميتِ الظهيرة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة
¬__________
(¬1) ابن هشام، السيرة النبوية 1/ 396. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وانظر: مهدي رزق الله، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية 185.
(¬2) أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد ح (150)، وحسّنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ح (122).

الصفحة 111