كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

فسبب الهجرة إِلى الحبشة هو: الفرار بالدين، ووجود الأمان والعدل في مملكة الحبشة ذلك الزمان. وكان أول خروجهم من مكة في رجب سنة خمسٍ من البعثة (¬1)، وكان أول من خرج فارًا بدينه إِلى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبعه الناس.
وكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلًا، وأربع نسوة، خرجوا متسللين سرًا، فوفّق الله لهم ساعة وصولهم إِلى الساحل سفينتين للتجّار، فحملوهم فيهما إِلى أرض الحبشة.
ثم كانت الهجرة الثانية، وعلى رأسها جعفر بن أبي طالب، خرج وجماعات معه - رضي الله عنهم - وأرضاهم، وكانوا قريبًا من ثمانين رجلًا (¬2).
قال ابن إِسحاق: (فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إِليها من المسلمين -سوى أبنائهم الذبن خرجوا بهم صغارًا أو ولدوا بها- ثلاثة وثمانين رجلًا (¬3).
فانحاز المهاجرون إِلى مملكة أصحمة النجاشي، فآواهم وأكرمهم، فكانوا عنده آمنين. عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: (لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمِنا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إِلى النجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إِليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إِلّا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم،
¬__________
(¬1) رواه ابن سعد، الطبقات، عن الواقدي (1/ 204).
(¬2) انظر: الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (ص 101).
(¬3) انظر: سيرة ابن هشام (1/ 330).

الصفحة 114