كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

قالت: ثم أرسل إِلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم، فلمّا جاءهم رسولَه اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إِذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، كائن في ذلك ما هو كائن.
فلما جاءوه، وقد دعا النجاشيّ أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: (ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم).
قالت: فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: (أيها الملك، كنّا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويُّ منَّا الضعيف، فكنّا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منّا، نعرف نسبَه وصدقَه وأمانته وعفافَه، فدعانا إِلى إلله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام- قال: فعدَّد عليه أمور الإسلام- فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إِلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن تستحل ما كنّا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا، وظلمونا، وشقّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إِلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك، أيها الملك)،
قالت: فقال له النجاشيّ: (هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟). قالت: فقال له جعفر: (نعم)، فقال له النجاشي: (فاقرأه عليّ).

الصفحة 116