كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

إِسلام عمر (رضي الله عنه):
كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتشوّف لإِسلام عمر بن الخطاب لما يرجوه بإِسلامه من خيرٍ للإِسلام والمسلمين، فكان يدعو: "اللهم أعزّ الإِسلام بأحبّ الرجلين إِليك؛ بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام" (1). وكان أحبُّهما إليه عمر بن الخطاب، قال ابن إِسحاق: (وكان إِسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلى الحبشة) (¬2).
ومن أشهر ما يُروى في قصة إِسلامه أنّه خرج - رضي الله عنه - يومًا متقلدًا سيفه، فلقيه رجل من بني عدي، فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: فكيفى تأمن في بني عبد مناف، وقد قتلت محمدًا؟ فقال: ما أراك إِلا قد صبوت. قال: أفلا أدلُّك على العجب، إِن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خباب، فلما سممع بحسّ عمر توارى في البيت، فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ -أي القراءة- وكانوا يقرءون (سورة طه)، قالا: حديثًا تحدثناه بيننا. قال: لعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنُه: يا عمر، إِن كان الحق في غير دينك. فوثب عليه فوطئه وطئًا شديدًا، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده فدمّى وجهها، فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إِني أشهد أن لا إِله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فقال عمر: أعطوني الكتابَ الذي هو عندكم فأقرأه. وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت له أخته: إِنك رجسٌ، وإِنه لا يمسه إِلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ {طه} حتَى انتهى إِلى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
فقال عمر: دلّونى على محمَّد، فلما سمع خباب قول عمر خرج. فقال: أبشر يا عمر
¬__________
أخرجه أحمد (2/ 95)، والترمذي في المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب ح (3681) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح غريب).
(¬2) سيرة ابن هشام (1/ 342).

الصفحة 121