كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

ثم ثَقُل واشتدّ وجعه حتى لم يستطع النطق، فدخل عليه أسامة بن زيد فكان يدعو له بالإِشارة (¬1).
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك فنظر إِليه فأخذته عائشة وأصلحته فاستاك به، ثم رفع يده وبصره وشخص ببصره نحو السقف، وتحركت شفتاه. فكان يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، فكان آخر ما قاله: اللهم بالرفيق الأعلى ثلاثًا (¬2).
ووصل الخبر إِلى الصحابة بالمسجد وفيهم عمر بن الخطاب، فكان ذلك صدمة شديدة تأبى النفوس المحبة أن تصدقها، ولذا وقف - رضي الله عنه - يقول: إِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت ولكن ربه أرسل إِليه كما أرسل إِلى موسى فمكث عن قومه أربعين ليلة، والله إِني لأرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون -أو قال يقولون- إِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات (¬3).
وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قد خرج من بعد صلاة الفجر إِلى زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاري في ضاحية السِّنح، ووصله الخبر بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى، فأسرع إِلى المدينة ودخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكشف عن وجهه وقَبّله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد مُتّها (¬4). ثم خرج إِلى الناس في المسجد وهم بين منكر ومصدق، لهول وعظم المصيبة، ورأى عمر يتحدث فطلب منه أن يجلس فأبى، فبدأ أبو بكر بالحديث فالتفت الناس إِليه. فقال: أما بعد:
¬__________
(¬1) المصدر نفسه ح 4436.
(¬2) صحيح البخاري ح 4438، 4440.
(¬3) رواه أحمد، وابن سعد 2/ 296، وعبد الرزاق، المصنف 5/ 433 - 434 بإسناد صحيح.
(¬4) صحيح البخاري، كتاب المغازي ح 4452، 4453.

الصفحة 298