كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)
وهذا الغلو ترتب عليه كثير من المخاطر العقدية والتربوية، وأبعد شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن مجال المتابعة والاقتداء، وأحل تلك المتابعة والأسوة في الشيوخ المربين الذين يسلكون هذا المسلك ويصورون في أذهان أتباعهم هذه الصور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليكونوا هم بطرق خاصة ومجاهدات -كما يذكرون- الذين ينقلون الصورة ويتمثلونها، والأتباع يقتدون بهم.
إِن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - شخصية إِنسانية بشرية كمّلها الله بالوحي، وعصمها من الخطأ في إِبلاغ الرسالة عن الله، فهذه ميزته العظمى أنه رسول يوحى إِليه، وقد خضع في حمله وولادته ورضاعته وشبابه ومرضه ووفاته وسائر أحواله للسنن الفطرية والقوانين الطبيعية التي يخضع لها سائر البشر. فلقد كان حمله طبيعيًا استغرق مدة الحمل الطبيعية نفسها، كما كانت ولادته طبيعية كسائر الولادات، وعانى من فقد الأم والأب ككثير من البشر، وخضع لكفالة الأقارب، ولما بلغ من الشباب عمل في الأعمال الموجودة في مجتمعه كالرعي والتجارة، وتزوج وأنجب، وفقد الإِبن والبنت والزوجة والصديق، وتعرض للأذى والمرض والنصر والهزيمة، وجرح في الحرب، مما يمكن أن يحل بكل إِنسان (¬1).
إِن حقيقة المحبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - تستلزم سلوك طريقته وهديه، واتباع سنته وتطبيقها في واقع حياتنا وسلوكنا، محبة وتقديرًا وإِجلالًا وتعظيمًا، وتجريد التوحيد لله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن وسائل الشرك والحذر منها، وترك الغلو والاعتقاد في الأموات والمقبورين.
¬__________
(¬1) عمر عبيد حسنه، مرجع سابق ص: 70.
الصفحة 43
320