كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)
3 - التعرف على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة
من دراسة السيرة النبوية بمختلف مواقفها وصورها نتعلم المنهج الدعوي الذي سار عليه رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وكيف تعامل مع أخطاء الناس، وجفاء الأعراب، ومكايد الأعداء، ودسائس المنافقين، فقد كان رؤوفًا رحيمًا، وكان حريصًا على هداية الخلق إِلى الحق، وكان حكيمًا في معالجة المشكلات والمواقف المختلفة، وكان حليمًا يعذُر الجاهل حتى يتعلم، وبهذا المنهج وهذه الأخلاق استطاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إِخراج الأمة الأمية من ظلمات الجهل والتعصب، والشتات والتفرق، إِلى نور الإِسلام، وهداية الرحمن، والترقي في ذلك حتى كانت خير أمة أخرج للناس. إِن الناظر في أحوال العرب في جاهليتهم وما فيهم من قسوة الطباع، وقوة العصبية، والتعلق بعبادة الأصنام وطاعة الجان والكهان، وتقديس التقاليد والعادات، وموروث الآباء والأجداد من غير تأمل ولا برهان، ليعجب كيف تحولت أخلاقها وتبدلت طباعها في وقت وجيز، فصارت أمة ذات علم وحضارة؛، وأخلاق سامية، وجهاد في سبيل الله لهداية الخلق جميعًا إِلى الهدى والنور، لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممتثلًا لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬1). قال عبد الله بن الزبير: -كما في صحيح البخاري (¬2) - أُمِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. أي يتجاوز عن أخطائهم وما لا ينبغي من أقوالهم وأفعالهم.
والوقائع الدالة على ذلك كثيرة جدًا:
منها قصة الأعرابي الذي جذب برداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، حتى أثرت حاشية الرداء في
¬__________
(¬1) سورة الأعراف، آية: 199.
(¬2) ح رقم: 4643.
الصفحة 44
320