كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)
وهذا فيه درس للمؤمنين على مر الأزمان ليأخذوا حذرهم ويحتاطوا في أمرهم، ولا يقعوا في شيء من حبائلهم ودعاواهم التي يزخرفونها ويظهرون منها إِرادة الإِصلاح وهم في واقع أمرهم مفسدون مخادعون لله ولرسوله وما يخدعون إِلا أنفسهم وما يشعرون، كما قال تعالى في وصفهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (¬1).
8 - الاطلاع على مواقف اليهود من الرسالة والرسول -صلى الله عليه وسلم-
من الثمرات المهمة، التعرف على مواقف اليهود من الرسالة والدعوة النبوية، فقد عاملهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن قُرب، وعقد معهم معاهدات ومواثيق، ولكنهم غلب عليهم طبعهم وحَلّت عليهم الشقاوة، فنقضوا العهد معه قبيلة تلو الأخرى، وحاق بهم نتيجة غدرهم، ومَكّن الله رسوله منهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضهم جزاء غدرهم وخيانتهم العظمى في ميدان القتال والمواجهة مع الأحزاب الكافرة، فكان ذلك حكم الله فيهم، وقضاءه العادل لشناعة فعلهم ومكرهم بالمؤمنين.
فأين المعتبرون؟ وكيف يوثق في يهود وهذا تاريخهم؟ وقد عَرّفنا الله من أخبارهم مع رسلهم مثل هذه المواقف الغادرة، والطرق الملتوية. وواقع التعامل معهم في قضية فلسطين يثبت هذا الخلق المتأصل في المحاربين منهم، وأنهم كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم.
قال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬2).
¬__________
(¬1) سورة البقرة، الآيات: 8 - 10.
(¬2) سورة البقرة، آية 100.
الصفحة 50
320