كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

إِن الصبر قيمة خُلقيهَ مرتبطة بالإِيمان بالله واليوم الآخر، والإِيمان بأن ما يفوت الإِنسان في الدنيا يأتيه في الآخرة. ولهذا لما آمن الصحابة بمعاني الصبر هذه تحملوا الأذى، حتى إِن سمية أم عمار رضي الله عنهما وهي جارية ضعيفة لا يؤبه لها في مجتمع مكة، تصمد أمام الجبابرة ولا يفرحوا منها بكلمة تخدش في دينها حتى لاقت وجه الله شهيدة في سبيل الله. وبلال -رضي الله عنه - يعجزهم رغم ما صبُّوا عليه من الأذى، وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم أصابهم الأذى وصبروا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناله الأذى الجسدي بعد الأذى المعنوي، فضُرِب، وحوصرِ، وأُخرِج من أرضه وأحب البلاد إليه مكة المكرمة، فصبر وضحّى بذلك حتى أظهره الله عليهم ومَكنه منهم يوم الفتح فما انتقم ولكن عفا وأكرم (¬1).
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬2).
وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (¬3).
وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (¬4).
¬__________
(¬1) انظر: سيرة ابن هشام 2/ 402 - 426.
(¬2) سورة العصر، الآيات: 1 - 3.
(¬3) سورة الشورى، آية: 43.
(¬4) سورة آل عمران، آية: 120.

الصفحة 53