كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)
يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في تفسير الآية السابقة: لو أن رجلًا هم
فيه بإِلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذابا أليما (¬1).
ومن العجب أن أهل الجاهلية كان لهم نصيب من تعظيم البلد الحرام ومراعاة حرمته، فكان أحدهم يلقى قاتل أبيه أو أخيه في البلد الحرام فلا يعرض له حتى يخرج من البلد الحرام، وإِذا أصابتهم غارة أو اعتداء لجؤا إِلى الحرم للإِحتماء به. وهذه إِمرأة من أهل الجاهلية توصي إِبنها بتعظيم الحرم وتحذره من الظلم فيه فتقول:
أبنيّ لا تظلم بمكة ... لا الصغير ولا الكبير
أبني من يظلم بمكة ... يلق آفات الشرور
أبني قد جربتُها ... فوجدت ظالمِها يبور
لقد أحاط الله مكة بثلاث دوائر تعظيمًا لها وحماية لحرمها، وسماها أم القرى، لأن القرى كلها ترجع إِليها، ففيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
الدائرة الأولى: دائرة الحرم بحدوده المعلومة حيث بينها الله لإِبراهيم -عليه السلام - ووضع لها أعلامًا توارثها الناس حتى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بتجديد أعلام الحرم، ثم قام عمر ابن الخطاب في خلافته بتجديدها، وما زال أمراء المسلمين وحكام البلد الحرام يعتنون بهذه الأعلام ويجدِّدونها لارتباطها بأحكام شرعية وضحها - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، بأنه لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها. كما أن الصلاة في مسجدها بمائة ألف صلاة، بل كل حرمها تفضل فيه أعمال الخير والبر كما ذهب لذلك جمع من العلماء.
(انظر: خريطة حدود الحرم وأعلامه)
¬__________
(¬1) مسند أحمد، وانظر: تفسير ابن كثير 5/ 411 وقال: إِسناده صحيح على شرط البخاري.
الصفحة 58
320