كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

هذا فضلأ عن أنَّ الزعم بأن المختصين في غير حاجةٍ إلى هذه التعليقات
زعمٌ خافى. . فخدمةُ النصنَ تجعل صاحبه الذي عُنِيَ بإخراجِه أقدرَ في كثير
من المرات، على أن يكشفَ بعضَ جوانبه، وأن يجلِّيَه ببعضِ ملاحظاته،
وكلُّنا - في أحيالخ كثيرةٍ - عالةٌ على المحققين في النصوعر التي يعملون فيها،
نستفيدُ مما ينتهون إليه، ونُشارِكُ فيما أتيحَ لهم ان يطَلعوا عليه.
من أجلِ هذا لا يبدو آنّ من الخير أن بمْرِهَ العملَ في إخراج النصوعر على
انْ يتّخذَ طريقاً واحدأ لا يجاوِزُه، هو هذا الظريقُ الذي يؤثر إخراج التراث
مجرَداً من كل هذه الأعمال الأساسية في الهوامش والتعليقات والمقارنات
والملاحظات. . فهذه المقارناتُ التي تردُّ بعضَ الروايات إلى أصولها، وتنبّه
إلى ما يكون من تداخلها أو تضاربها؟ وهذهِ التعليقاتُ التي تقفُ عند الأسماء
في تشابكها واختلافها، وتوضّحُ ما يكونُ من خطا نسبتها أو صوابها؟ وهذه
الهوامشُ التي تشيرُ إلى تمازج القصائد واضطرابها، وتتمهّل عند إيضاح بعضِ
أبياتها، وتثبت ما تجاوزه المؤلِّفُ، أو تشيرُ إلى ما أهمله -كلُّها عملٌ
أساسيٌّ في فهم النص. . وهي لذلك عمل أساسيٌّ من واجب المحقّق حتى
يستقيمَ له التحقيقُ، وحتى يستقيمَ لنا نحنُ أن نفيدَ من عمله في ذلك،
فنشارِكُه جهده، ننتفع بالذي لا يعرِتُ، ونوكّد ما نعرِتُ، ونحاوِلُ ان نحلَّ
العُقَدَ التي استوقفته.
أمّا أن نتركَ ذلك في مكانه ومناسبته، اخذينَ بمبدأ الاقتصار على إخراجِ
النصِّ مجرّداً، مهملين كلَّ إثارة يبعثُها، آو مشكلةٍ يطرحُها، أو سؤالٍ يوحي
به، أو موقف يدعو إلى معالجته، فأمرٌ يبدو أنّه مخالفةٌ لطبيعةِ المرحلةِ التي
نمرُّ بها، وتحريفٌ لطبيعة التحقيق العلمي الذي ندعو إليه.
فافا أنه مخالفةٌ لطبيعة المرحلة التي نمرُّ بها، فذلك لأنَّ هذه المرحلة
تقتضينا أن نضعَ هذا التراث مجلوّاً، ومجرّداً، مُيسَّراً له كلُّ سبيلٍ إلى
الفهم، بين يدي الجيل الجديد، الذي يستلم مفاتيحَ الدراسة الأدبية،
وتتفتح له ميادينها، وتتجه إليها جهوده في طريقه إلى التخصص بها والاقتصار
عليها.
102

الصفحة 102