كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

والذين يرفبون حركة تراثنا القديم، نشراً ودراسة، يلمحون أنَّ هنالك
-لاشك - شيئاً من تخلّفٍ عن معاناة النصوص الأدبية، وقعودٍ عن
ممارستها، ورغبةٍ عن مشقاتها؟ وآنَّ هناك - لا شك أيضاً - شيئاً من إقبالٍ
على الدراسات الأدبية النظرية، ورغبةٍ فيها، وحرصٍ على تعجل الاحكام
العامة حولها. . . وهناك نوعٌ من الانصراف إلى واحدٍ من هذين الشقين. . .
فالذين يُعْنَوْن بالنصوص إخراجاً ونشراً - أو كثرة منهم - لا يتفرّغون للدراسةِ
الأدبية؟ والذين يقصرون جهودهم على الدراسة الأدبية، يتجاوزون المراحلَ
التي لَم تُنْشَرْ نصوصُها، والشعراء والأدباء الذين لم تتح لدواوينهم أو آثارهم
فرصة جلاثها وعرضها.
ومن هنا كان من الخيرِ لمصلحةِ الدراساتِ نفسها، ولمصلحةِ تراثنا
ذاته، آن نُعنى بتقدمةِ نصوصِه علىٍ خيرِ ما يكونُ التقديمُ، وأن نخرجَها على
أكملِ مايكونُ الإخراجُ، صحة وضبطاً، وشرحاً وتعليقاً، وتمهيدأ
وتذييلاً، وتوقفاً عند كل ما يحسُنُ التوقّفُ عنده، وإشارة إلى كلِّ ما تجبُ
الإشار 6 إليه.
وأمّا أنّه تحريف لطبيعة التحقيق العلمي واستقامته، فذلك لأنَّ الأصلَ في
إخراج النصِّ، آن ينظر المحقّقُ فيه وفيما حوله، في بيعته الأدبية، وفي بيئته
الاجتماعية، وأن يكشفَ إثاراته، وآن يبين عن إشاراته، وأن يدلَ على
المنازع التي صدر عنها، وأن يتعرفَ إلى الناس الذين قيل فيهم. . ومثل هذا
الجهد الذي لابدّ منه في التحقيق، لابد منه بعد ذلك في الدراسة. . . فمن
الخير إذأ أن يندمحَ هذان الجهدان معاً، فيتوئى محققو النصوص بالذات
عملياتِ الشروج الأولى هذه، لكي تصبحَ جاهزةً للبحث الأدبي الصرف، أ و
للبحث التاريخي الصرف، أو لهما معاً. . فتُجلى مضيئةً من غيرِ عتمة، نيّرةً
من غير لبسٍ، مخدومةً خدمةً محزرةً، تتيحُ للبحثِ أن ينطلقَ بعد ذلك
منها، دونَ أن يضطر لمعاودةِ الجهد الذي بذله المحققون.
ولو كُنّا على شيءً من هذا التنظيم والتقسيم في معالجة التراث، إحياءً
ودراسةً، أعني لو كان هنالك هؤلاء الفرقاء الذين يقتسمون هذا العمل: منهم
103

الصفحة 103