كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

دقّتها وتحديدها، ولعلَّها وحدها هي التي عالجت عمود الشعر، ووضعت
معاييره ".
يتحدّث المرزوقي في مقدمته هذه عن شرائط الاختيار للشعر، وعمّا
يتميز به النظمُ عن النثر، وما يُحْمَد أو يُذَمُّ من الغلوِّ أو القصد، وعن قواعد
الشعر التي يجبُ الكلام فيها وعليها حتى تصيرَ جوانِبُها محفوظةً من الوَهْن،
إذ لا يُحْكَمُ للشاعر أو عليه بالإساءةِ أو بالإحسانِ إِلا بالفحص عنها، وتمييز
المصنوع مما يحوكه من المطبوع.
وقال: "إنَّ أبا تمام معروفُ المذهبِ فيما يقرضُه، مألوفُ المسلكِ لما
ينظمُه، نازعٌ في الإبداع إلى كلِّ غايةٍ، حاملٌ في الاستعاراتِ كلَّ مشقؤ. . .
متغلغل إلى توعير اللفَظِ وتغميضِ المعنى، وهو عاد 4 فيما انتخبه في
حماسته ".
ثم يفصّل المرزوقيُّ القول في مذاهب نقاد الكلام في شرائط الاختيارات
للشعر والنثر، واختلافهم فيها، وذلك لأنّ تصاريفَ المباني التي هي
كالأوعية، وتضاعيفَ المعاني التي هي كالأمتعة في المنثور اتّسع مجالُ الطبع
فيها ومسرحُه، وتشعّبَ مُراد الفكر فيها ومطرحُه.
ثم تحدّث عن عمود الشعر المعروف عند العرب ليتميّزَ تليدُ الصنعةِ من
الطريفِ، وقديمُ نظامِ القريضِ من الحديث، ولتعرفَ مواطى أقدامِ
المختارينَ فيما اختاروه.
إنّهمِكانوا يحاولون شرفَ المعنى وصحته، وجزالَة اللفظِ واستقامتَه،
والإصابة في الوصفِ، ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرتْ سوائرُ
الأمثال وشواردُ الأبيات، والمقاربة في التشبيه، والتحامُ اجزاء النظم
والتئامها على تخيّر من لذيذِ الوزن، ومناسبةِ المستعارِ منه للمستعارِ له،
ومشاكلةُ اللفظِ للمعنى، وشدّة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما.
فهذه سبعةُ أبوابٍ هي عمودُ الشعرِ، ولكلِّ بابٍ منها معياو.
اعتمد أسحَاذنا في تحقيقه لهذه المقدمة على أربع نسخ خطية، وكان
105

الصفحة 105