كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

الحكم، بقضاتها وفقهائها، بالمرأةِ التي تحكم، برنّة الفخر التي لا تفارِقُ
اليمنيئَ، وبرنّة الثأر.
والحقُّ أنَّ الشعر اليمني يقدمُ هذه النبعة الثرة الصافية لتأريخ اليمن بصورة
غير مباشرة، ومن المفيدِ والممتعِ والأجدى في كتابة التاريخ العربي أو في
إعادة كتابته الرجوع إلى الشعر الذي واكبه صاحبه، وكان ظلّه، ففي دراسة
هذا الشعر تكمن ثروة من الجزئيات التاريخية لا ثمن لها.
وإذا كانتْ بعضُ الجماعاتِ الإنسانيةِ الأخرى تستطيعُ أن تكتبَ تاريخَها
من وراء أحداثها، فإنّ الجماعة الإسلامية لا تستطيعُ أن تكتب هذا التاريخ
كاملاً حافلاً، ينبعث الضوء من كلِّ جانب فيه إلا حين يشتركُ الشعر مع
الأحداث، وتنحلُّ عقدةُ القصيدة لتتكشفَ عن كثير من الخيوط الدقيقة الخفية
وراءها. بل لعلي لا أجنحُ إلى غلو إن قلتُ: إنَّ اليمن خاصّةً في حاجةٍ إلى
هذا التعاون والمزاوجة في كتابة تاريخها. . . وليس أدلّ على ذلك من سيرةِ
"عُمارة " التي كانت في واقعها مزيجاً رائعاً من الأحداث والشعر.
إنَّ قيمة (الخريدة) التاريخية إذأ ليست في آنّها هذا الكشف التاريخي الرائع
الكامل عن جانب من جوانب الحياة العربية في اليمن بخاصة، وإنّما هي
بالإضافة إلى ما قدّمتُ من حديثٍ عن قيمتها الفنية، تحقيق لهذا التكامل
الرائع بين التاريخ والأدب، وهذا الاقترانُ الكامل المثمر بينهما" (1).
القيمة الذاتية: وهي التي تتصل بالعمادِ نفسه، وتعبّر عن أسلوبه في
التأليف، ومنهجه في الجمع، وطريقتهِ في تزويد (الخريدة) بهذا الفيض من
المختارات، حتى اَلت هذه المجموعةُ الضخمة التي لا نجد نظيراً لها في
المجموعات الشعرية المماثلة، وسيرى المتتبّع لهذا الجزء أنَّ الأصفهاني
اعتمدَ اعتماداً كاملاً علئ كتاب عمارة "المختصر المفيد لأخبار زَبيد" أو علئ
اقسم الشعري منه، والجديرُ بالملاحطة هو أسلوب العماد في الاقتبأس من
هذا الكتاب. وهناك جوانبُ أخرى اعتمد عليها العماد كاللقاء والمشافهة،
(1) قلت: وهذا يقوي حجة دارس الأدب حسب العصور كشوقي ضيف وأمثاله (ن).
116

الصفحة 116