كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وبعدم العناية بشعر 5، لاستطاعته النظمَ بسهولةِ لم تُعْرَفْ عند غيره من
الشعراء. وهو يعدّ من مقدَّمي الموالَدين من طبقة بشار، وابي نواس،
وأمثالهما.
جمع الإمام يوسف بن عبد اللّه بن عبد البَرّ النمري القرطبي ما وجدَ من
"زهدياته " وشعره في الحكمة والعظة، وما جرى مجرى الأمثال في مجلد،
منه نسخة مخطوطة حديثةٌ، اطّلع عليها احدُ الاَباء اليسوعيين فقام بترتيب
أبياتها علئ الحروف، وشرح بعض مفرداتها، وسماها " الأنوار الزاهية في
ديوان أبي العتاهية " وطبعها سنة (1886 م) ببيروت.
أمّا البواعث وراءَ نشر استاذنا الدكتور شكري الديوان، فهي رغبته في
إخراجه في طبعة محققة، تدفع عنه ما تسرّب إليه من تحريف، وترفعُ عنه
ما نزل به من ضيم.
وكان وراء ذلك بواعث عميقة، منذ بدأ التدريسَ في قسم اللغة العربية من
كلية الاَداب في جامعة دمشق في مادّة الأدب العباسي، واَثرَ أن يدرّسه في
وجهتين: إحداهما: وجهة المجون، واختار أبا نواس علئ أنّه يمثل هذه
الوجهة، والأخرى: وجهة الزهد، واختار أبا العتاهية علئ انه يمثل هذه
الوجهة.
غير أنّ شعر أبي نواس مجموعٌ معروفٌ لإقامة دراسة مطمئنة، بينما شعرُ
أبي العتاهية لم يكن كلُّه في ايدي الناس، فثروته الشعرية تبددت أو كادت،
فلا ندري أينَ ذهبت مدائحهُ؟ وأين أهاجيه؟ فتجربته في الزهد لم تكنْ التجربة
الأولئ والأخيرة في شعره، وإنّما كانت جانباً من نفسِه، أو جزءاً من
حياته، وِإلاَّ فأينَ تذهبُ هذه القدرة الرائعة التي عبّر عنها بقوله: لو شاء ا ن
يجعلَ كلامَه كلَّه شعراً لفعل.
ويقول أستاذنا: "لم تكن وقفتُنا عند الزهديات في شعر أبي العتاهية وقفةً
مطمئنةَ أو راضيةً، كان بين ايدينا نصوصُ أبي العتاهية كما طبعت في بيروت
في المطبعة اليسوعية، وكانت الطبعة الأولى منها سنة (1886 م) ثم نكررت
بعد ذلك مرات، آغلبُ الظن آنّها آربع من غير كبير اختلاف، ولكنّها لم تكن

الصفحة 122