كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

ولما عاد إلى دمشق عاود تدريس العصر العباسي، وظل أبو العتاهية عنده
نزعة إلئ طبع ديوانه ومحاضرات عن شعره.
ويحدّثنا استاذنا عن عمله بالديوان والأحداث التي دفعت به إلئ القيام بهذا
العمل فيقول:
"ولعلّها بعضُ الظروف القاسية (1) التي يمرُ بها المرء، تفصل بينه وبين
الناس لتعود به إلى نفسه، لا يجدُ غيرها يتحدَث إليها ويسائلها، ولا يملكُ
سواها يستنطقُها ويحاوِرُها، ولعلّ هذه الأشهر التي لم يكن فيها بيني وبين
الحياة إلا خيوط من ذكرياتٍ، وكوَ؟ آو كوَّاتٌ من ضوءً، وقطعة من أرضٍ
هي أشبار في أشبارٍ، أو أذرع في أذرعٍ، وأصواث تتناهى ولا تتراءى،
وملامحُ تخطفُ العين، ثم تغيب، وزيارات محدودات هي كلُّ ما يصلني
بالحياة والأحياء.
وقد بدآتُ عملي معتمدأ على مخطوطتي الظاهرية وتوبنغن ".
ثم يوردُ أستاذنا نماذجَ كثيرة من التحريفات التي في طبعة الاث شيخو،
وتتلخّص في تحريف في الكلمة الواحدة مثل (أوّاب) فيحرفها الأب شيخو
إلى (أو آب)! وهو لا يطيقُ أن يرى لفظة "محمد"! شًيد في شعر أبي العتاهية
فيحزَف هذه اللفطة ماصادفها التحريفُ الذي يشملُ اكثر البيتِ حتى
لا ينتقضَ الوزنُ فينقل البيت:
وإذا ذكرتَ محمداً ومصابَه فاذكر مصابَكَ بالنبيِّ محمَّدِ
فيحرّفه إلئ:
وإذا ذكرتَ العابدينَ وذُلَّهم فاجعْل ملاذَك بالإف الأَوْحَدِ
ويتجاوزُ التحريفُ الكلمةَ الواحدةَ إلى التعبير الكامل، من امثلة ذلك أنه
كان يستبعد التعبير الإسلامي: "لا شريك له" ويضع مكانه تعبيراً آخر مثل:
"لاشبيه له".
(1)
لعله يشير إلى فثرة سجنه في عهد الانفصال، انظر ما جاء في الفصل الأول
صفحة (49) (ن).
124

الصفحة 124