كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

"ذلك أنّ الكتاب إنما سُمّي تاريخَ دمشق بنوعٍ من التخصيص، ولكنّه
ما كان له أن يكونَ مقتصراً عليها. إنَّ الحافظ ابن عساكر لا يقدّم لنا تاريخاً
دمشقيّاً، ولا تاريخاً شاميّاً فحسب، وإنما يقدّم تاريخاً حضاريّاً لهذه البلاد
كلِّها التي انتشر فيها الإسلام وسادت العربية. . ألا يؤكد ذلك أنّ هذا التاريخَ
هو تاريح للعالم الإسلامي كله؟!.
ذلك هو الذي فهمه المجمعيون حين عزموا على نشره، إنّهم لم يفكروا
فيه لأنه كتابٌ من كتب التراث فحسب، وإنّما فعلوا ذلك لانهم كانوا يريدون
أن يُكْتَبَ التاريخ الحضاري والفكري والسياسي لبلاد الشام من خلال هذه
المصادر التي ضاعت، والتي احتفظ ابن عساكر بها كلها، أو بأقسامٍ كثيرةٍ
منها في نقوله عنها، كما كانوا ينظرونَ إلى أنَّ تجديدَ كتابة التاريخ لهذه
الأقطار العربية والإسلامية لا يمكن أن يمضيَ على أساس سليمٍ مضيءٍ ما لم
يظهر تاريخُ ابن عساكر إلى النور، وان يوضَعَ موضعَ المدارسةِ والممارسةِ ".
وعن الصعوباتِ حول العمل بتاريخ دمشق يقول رحمه اللّه:
"آلم يكن أمراً طبيعيّاً آن تتكاثر الصعوباتُ بين يدي عملٍ ضخم كهذا
العمل الذي يهدفُ إلى نشر كتاب أصله المخطوط في (0 80) جزء كلّ عشرةِ
أجزاءٍ تؤَلّفُ مجلدةً واحدة؟. .
كان هذا السؤال الذي يدور على لساني، ويهمس به ضميري، ونخطى
حين نقدّرُ آنَّ ضخامة الكتاب وحدَها كانت هي الصعوبةُ التي واجهت العمل،
أو واجهت العاملين فيه، كان هنالك قبل ذلك أن الأصول الموجودة منه في
حاجة إلى كثير من الصبر عليها، والتذليل لها، لم يكن هناك نسخة واحد؟
كاملة، وإنّما اجتمع لدى المجمع نسخ ناقصة وأجزاء متفرقة، أقدم هذه
النسخ نسخة الأزهر الشريف بخط القاسم ابن المؤلف، ثم نسخة البرزالي،
ثم نسخ اخرى في دمشق وإستامبول والمغرب، ولو جُمِعت كلُّها بعضها إلى
بعض لما تكؤَنَ منها نسخة كاملة ".
130

الصفحة 130