كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

الأسر الحاكمة، وإلى سير الملوك والرؤساء والقواد. . . آمّا تاريخ الحركة
الثقافية، أو تاريخ جماهير الناس، فإننا لم نوله الاهتمامَ الذي يستحقّه.
إنّ الذين اخِذوا بهذه التهمة لم يكونوا على صلةٍ بتراثنا التاريخي. . هؤلاء
عرفوا من تراثنا التاريخي هذا الشكل الواحدَ، وغفلوا عن صوره الأُخرى،
إنّهم لم ينظروا في جملة المؤلّفات التي تناولت تاريخ الفكر والثقافة وتاريخِ
العلوم، وتناولت في أسلوب جديد تكاد تنفرِدُ به الثقافة الإسلامية: تاريخ
العلماء، وسير الأعلام، فيما درجنا على تسميته كتب الطبقات، وكتب
التواجم.
إنّ ثروتَنا من هذه الكتب ثروةٌ رائعةٌ، وإنّ معطياتها معطياتٌ نادرةٌ،
تناولت تاريخ البلدان وخططها، وعلماءها وأعلامها، وفي كتب الطبقات
والتواجم نناولت تراجم القرَّاء، والمحدثين، والمتكلّمين، والفقهاء،
والصوفية، والزهاد، والأطباء، والمؤرّخين، والشعراء، والأدباء، والنحاة،
واللغويين. . إلى جانب الكتب التي أرادت أن تتوقّف عند بلدٍ بعينه من مثل
(تاريخ بغداد)، و (تاريخ دمشق)، و (تاريخ الرقة)، و (تاريخ أصبهان)،
و (طبقات علماء إفريقية).
هذه المجموعاتُ الكبرى من الكتب هي التي تضمُّ أبرزَ وجوه أصالتنا
الفكرية، فلم يغب عنا إذاً أمرُ التاريخ الحضاري، ولم نهمل النظرَ إلن
حركتنا الثقافية، يحكُمنا في ذلك قيمتان كبيرتان:
القيمة العلمية: وتتمثّل في الإدراكِ الدقيق لتطور معارفنا وعلومنا.
والقيمة الأخلاقية: وتتمثّل في الوفاء لهؤلاء العلماء، والإشادةِ بما كان
من جهودهم.
وكتابُ ابن عساكر يقع من ذلك كله: من كتب التاريخ، ومن كتب
الحديث، ومن كتب التواجم، ومن كتب الطبقات والأعلام، ومن كتب
البلدان موقعاً متميزاً، إنّ فرادته لا تأتيه من ضخامته وكثرة أجزائه، ونزعته
138

الصفحة 138