كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

الشمولية فحسب، إنّما تأتيه من امرين اخرين: أحدهما: الهدف البعيد،
والآخر: المنهج الذي كان يصطنعه.
أمّا الهدف فكان يتمثّل في إحياء السنة وعلومها بعد تشتت خطير شطر
العالم الإسلامي إلى هاتين الخلافتيق: الخلافة الأصل في بغداد، والخلافة
المنشقّة العبيدية في المغرب، وقد استمرّت في القاهرة. . إنَّ العمل لهذا
الهدف لم يكن فكريّاً ثقافيّاً فحسب، بل كان حربيّاً أيضاً.
لم يكن من شك عند ابن عساكر في أنّ الماضي هو الذي يمكنُ أن يصنعَ
الحاضرَ، وأن يصوغَ المستقبل. . وإنّ العمل الفكري العريض إلى جإنب
العمل الحربي الذي كانت بدأته الدولة النورية، وورث صلاحُ الدين ثمراتِه،
فهذا العملُ يقوم على تقوية العقيدة، وعلى تقوية الثقة بالنفس، وقد وجد في
خدمة الحديث عن طريق التأريخ لمدينة دمشق، أو خدمة (تاريخ دمشق) عبر
العناية بالحديث السبيلَ الى هذين الأمرين معاً، فمضى يتابع العمل في
(تاريخ دمشق) مستفيداً لاشك من الأعمال العلمية المماثلة، ومن (تاريخ
بغداد) للخطيب البغدادي بنوعٍ خإص، وذلك تلبيةً لرغبةِ نور الدين.
أما عن المنهج الذي أخذ به نفسه في إقامة هذه التراجم، وفي تراجمه لم
يقصد ابن عساكر دمشق وحدها. . . إنّه يؤرّخ لجوانب من الجاهلية، ويؤرّخ
للسيرة النبوية بجوانبها كلها، ثم هو يترجمُ للخلفاء الراشدين رضي ال! ه
عنهم، ومن الطبيعي أن يكونَ كتابُ ابن عساكر أغنى المصادر عن تاريخ
الأمويين. . . ثم الكثير من الخلفاء والعلماء. . . ألا يؤكد هذا عندنا هذه
الحقيقة الأصيلة وهي أنّ تاريخ ابن عساكر هو تاريخٌ للعالم الإسلامي كلّه من
خلال هذه المدينة الصغيرة الكبيرة دمشق؟!.
وأما عن منهجه في كتابة هذه التراجم الكثيرة، فتقوم على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: الجمل التي تتصدر الترجمة، والتي تضمُّ أبرزَ معالم
الشخصية: اسمه، نسبه، كنيته ولقبه، قبيلته وبلده، والميدان الذي كان
139

الصفحة 139