كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

مدخل تارلخي:
إنّ من المؤكد أن قضيةَ تعريب التعليم عامةً، وتعريب التعليم الجامعيِّ
بوجه خاعرٍ تقفُ في رأس القضايا الثقافية التي شَغَلَتِ الفكر العربي
التربوي، والمتتئعُ لما كتب في ذلك، أو نشر عنه، وما عُقِدَ له من ندوات
ومؤتمرات يجدُ أمامه أكداساً من المذكّراتِ والأبحاثِ والمقالاتِ والتقارير،
ذلك أنّ الأمة العربية منذُ أخَذت تبحثُ عن ذاتها الضائعة، ومنذُ أخذت
تتلفَسُ العامل الأساسي الذي كان له فضلُ بقاثها، ومنذ طرحت قضية
الأصالةِ والتبعئة كانت اللغة العربية وسيادتها وانتشارها هي أظهر قضايا الفكر
العربي، وكان الحديثُ عن اللغة أحدَ الميادين التي صارع فيها العربُ
أعداءهم، فالهجماتُ الاستعمارية منذ بداياتها كانت حريصة على أن تصيبَ
الوجودَ العربيئ في نقطة القلب فيه: الدين واللغة، ومن هذه الهجمات
الحملات التبشيرية والاستشراقية.
وقد واجه العربُ في آخر الحكمِ العثماني أحزاباً وجماعاتٍ حاكمة تركية
حَرِصَتْ على التتريك، وهذا دفعَ العربَ إلى الموقف النقيض، فكان
الحرعرُ علئ وجود اللغة العربية وسيادتِها مطلباً من المطالبِ التي أجمعت
عليها الجمعيات العربيةُ قبل الحرب العالمية الأولى، ثم تلا ذلك الاستعمار
الفرنسي والإنكليزي اللذان أرادا أن يطمسا الذات العربية، مما أذى إلى
مقاومة هذا القهر بأشكال مختلفة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تخفصت الأمة العربية من التبعية
السياسية، ولكنّها ظلت كلها مستهدفةً للتبعية الثقافية، فسعى الغربُ
المستعمِرُ لإحياء اللغات الميتة، وتشجيع اللهجات المحلية، مما أدّى إلى
تفبرٍ داخلي في ذات اللغة، ينفي عنها ما عَلِقَ بها من مظاهر الضعف، ويريدُ
منها أن تكونَ لغة حضارؤ، فليس عجباً أن تكثر الأبحاثُ والدراساتُ، وأن
تعقدَ لها الندواتُ والمؤتمراتُ، وخاصة لتعريب التعليم في كلِّ مراحله،
ومن ثَئم تعريبُ التعليم الجامعي.
153

الصفحة 153