كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

ويحدّثنا أستاذُنا عن تلك الفترة الدراسية في الجامعة (1)، فيقول:
"كانت كليه الآداب في القاهرة تضمُّ هذا الرعيلَ من العلماء الأعلام الذي
لم يجتمع - آو لم يكد يجتمع -مثلُه في كليةٍ بعدُ، (طه حسين)، و (أحمد
أمين)، و (عبدالحميد العبادي)، و (أمين الخولي)، و (عبدالوهاب
عزام)، و (إبراهيم مصطفى)، و (زكي محمد حسن)، و (مصطفى عامر)،
و (إبراهيم مدكور)، و (سليمان حزين).
كان منا - آي الطلبة - الذين عشقوا وضوحَ احمد امين وعمقه، وكان منا
الذين آَسرهم تفتّح الاستاذ أمين الخولي وقدرتُه التي لا تتناهى على الإثارة،
وآراؤه التي تستمزُ تتجدّد مع كلّ ساعةِ نقاشٍ، وكان منا الذين استراحوا إلى
وداعة الدكتور عبد الوهاب عزام ورعايته للطلاب العرب، وإلى نقاء
عروبته، وإلى هذا الأفق الواسع الذي كان يجمع فيه بين الثقافة العربية في
بلاد العرب، والثقافة الإسلامية الأخرى في البلاد الإسلامية. وكان منا آولئك
الذين أصاخوا يحنون رؤوسهم، ويلقون أسماعهم إلى الأستاذ إبراهيم
مصطفى وهو يعالجُ إحياء النحو، ويطرحُ الاتجاه والاتجاه النقيض عند النحاة
وعندَه، وكان منّا آولمك الذين آخذتهم نظرات الأستاذ عبد الحميد العبادي
إلى التاريخ الإسلامي، واسلوبه الاَسر في عرضه، والجوانب الراكدة التي
فجَّرها، أخذهم ذلك منه، وآخذتهم هذه القامة المديدة السمراء، التي لم
يكن في مثل مكانتها من نفوسهم إلا قامة الدكتور عزام العربية السمهرية.
وكان منا الذين استولى عليهم الدكتور إبراهيم مدكور في المدرّج الكبير
(اتراني أنسيت رقمه 78) في عمق إحاطته بالفلسفة الإسلامية، وفي أصالة
بيانه، وفي دقّة منهجه، وفي قدرته على آن يبشط المعقّد، وآن ييسّر
الصعبَ.
وما مِنْ شكٍّ في آننا جميعاً كنّا في ذلك طرائق قِدداً، ندبّ ونختصمُ في
توزيع هذا الحب هنا أو هناك، ولكنّنا كنا نلتقي جمبعاً هذا اللقاءَ العفويَّ في
(1)
من مقالة: "طه حسين: ذكريات ومواقف " مجلة المعرفة، ع 153/ 974 ام.
16

الصفحة 16