كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

لم ينقطع أستاذُنا عن التدريس سنةً واحدةً، ولا استراحَ ذلك المحارب
الدؤوب على الرغم من الاعياء الذي أصابه، والمصائب التي المَّتْ به من
الاضطرابات التي حلّت بدمشق أيام الفتن.
كان مطلوباَ من جامعات لبنان والأردن والسعودية وغيرها. . . مطلوباَ
بشدّة للعمل فيها، لا! اسمه في عالم الجامعات قد ذاع كأشعة الشمس في
رأَدِ الضحى، فتنافست عليه.
وهو من جهة كان يجيب ويستجيب لا للمادة، بل للرسالة التي يحملها بين
طواياه، يريدُ ان يعلّم ويربي، وينشرَ الثقافة والمعرفة والفكرة التي امن بها.
أجل لقد لمع نجم استاذنا في قاعات التدريس، واقبل عليه الطلاب
وأحبوه الحب الخالص، وأصفاهم وده، حتى قامت بينه وبينهم علائق
لا تكون إلا بين الأساتذة المخلصين وطلابهم الأذكياء.
يوم كنا طلاباَ في الجامعة نقعد بين يدي أستاذنا كنا نرى انموذجاً من
الأساتذة يختلف عن سائر الأسالّذة الذين كنّا نهاب بعضهم خوفاً من أ ن
ينتقموا منّا، ونكره آخرين لاشاليبهم القاسية ومعاملاتهم الفوقية للطلاب،
قلة قليلة من أساتذة الجامعة في السثينيات كانت تلقانا بما كان يلقانا به
الدكتور شكري فيصل رحمه اللّه.
إن سألتَ عن العلم فإنّك واجده عنده، وإن فتشت عن المحبة تنزَّلت
عليك منه، وإنْ رغبتَ في الأسلوب الممتع في التدريسٍ وقعت عليه عنده،
كانت دروسُه في النقد والنصوص والتحليل الأدبي متعة خالصة، وهي بعدُ
دروسٌ ليست بالهيّنة ولا السهلة، تحتاج إلئ إعمالِ فكر، وإلئ جهد، وإلى
تذوقٍ، وِإلئ أشياء أخرى، لم يكنِ الطالبُ يجدُها في كتاب، وإنّما ربَّاها
فينا أستاذُنا تربيةً، ونشّأنا عليها تنشئة، حتى برزَ فينا ناسٌ كانوا صنيْعَته،
ترسّموا خطاه، وعُرفوا في الجامعات العربية.
ومِنْ هنا أقبلَ عليه طلاّبه، جلسوا في قاعة درسه مرتاحين، فهموا من
غير مشقة، وناقشوا دونَ خوف، وحفظوا على السجيّة، وأدّوا امتحاناتهم
23

الصفحة 23