كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

ببساطة - لم ترعهم المفاجآت التي تطلع عليهم من بعض الاسإتذة أو من
جلّهم، ممن يسوطون الطلاب سوطاً - ونجحوا عن استحقاق ومكْنَلأ.
كان استاذُنا منفتحاً مع طلابه تمام الانفتاح، لم يقطّب في وجوههم،
ولم يُسمعهم قارصَ الكلام، ولا عنّفهم، ولا أسإءَ إلى احدِ منهم،
وما ارتفعَ صوتُه علئ أحدٍ، ولا هدَّد طالباً، ولا اخزى طالبةً علئ الملأ. . .
فأقبلوا عليه، واعتزُوا بالانتساب إليه.
كان درسُه متميزأ في كلِّ ما يقدّم من مواد في النقد والبلاغة ودرس
النصوص الجاهلية والإسلامية، فاستمتعنا بشعراء كثيرين، فمن طريقه عرفنا
النابغة وليله، واحببنا شإعرَ الرسول! سًي! حسان بن ثابت رضي الله عنه وحئه
ومديحه للرسول لمجر، وذلك من خلال تحليله لما قدّم إلينا من نصوص.
كان يعالجُ النصوصَ معالجة ذاتَ حياةٍ، ينفخُ فيها الحياة فيبعثها من
بطون الدواوين، وينثرها امامَ الطلاّب، فتتألق بين يديه وتتوهج، يقف عند
المعاني المهمة فيها، ثم يطرحُ أسئلةً حولها كثيرة. . . كثيرة جداً، لم نكن
ندري كيفَ يستخلِصُها أو يخترعُها. . . حتى إذا فرغت جعبتُه من الأسئلة،
ولعلّها لا تفرغ عادَ فأجاب عنها بما تستحقُّ من تفصيل أو إيجاز، مشيراً إلى
النواحي الجمالية الفنّية، يلقي عليها الضوءَ أو يقفُ عندها، ويُمْتِعنا بها،
فاذا بنا نراها بالعين التي لم نكن نراها بها، وإذا بنا نقدْرُ النابغةَ ونفخرُ به،
ونعتزُ بحسان ونحبّه، ونعرِفُ أقدارَ الشعراء ومنازلهم.
وتعرّضَ لنصوص عن الأصفهاني في كتابه (الأغاني) يغمز بها من قناة
حسان رضي اللّه عنه، فيتّهمه بالجُبْنِ والخَوَرِ، وشموقُ نصوصاً كنا نظنُها
- لقصر باعنا انذاك وقلّةِ اطلاعنا، وحسنِ ظننا بالأصبهاني وهو مَنْ هو؟! -
أنها ممّا لا نقاشَ فيه، خصوصاً وانَّ راويها صاحبُ الأغاني، يسوقُها بالسند
علئ ألسنة الرجال.
وتوقّف أستاذُنا عند تلك النصوص، ونقدَها النقد العلمي، فتهاوت بين
يديه وتفتَّتت، فبيَّن أن شعراء قريث! سكتوا لشعر حسان فأخرسهم، وانّ

الصفحة 24