كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

شعره كان أشدَّ عليهم مِنْ وَقْعِ النبال، وأنَ سلاحَ الكلام والإعلام في المعركة
كان أشذَ من سلاح الحديد والعضلات. . . وأنَّ قريشاً كان تجتهد في قتل
الرسول ع! ي! لإسقاط الدِّينِ الجديد، وأرسلتْ إليه أكثر من مرة مَنْ يبتغي قتله
وأنَّ حسّانأ كان مطلوباً، وأنَّ قتله أهونُ من قتل النبيئ عليه الصلاة والسلام
بمزات كثيرة، وهو إذ يعرفُ ذاك فلا يكفُّ عن مقارعة اعدإء النبيِّ ع! ي! فإنْ
كان يهابُهم لسكتَ، ولتنحّئ عن ميدان المعركة، ولكنّه شفى واشتفى،
ودعا له الرسول! ي!، ونصبَ له منبراً في المسجدِ ينشدُ الناس، وقال: إنّ
جبريلَ معه يؤيّده ما نافحَ عن رسول اللّه ك! يِ!.
وذكر أستاذُنا رحمه اللّه أنَّ الشجاعةَ كانت سمةَ الصحابة، وإن تفاوتوا
بها، ليس فيهم جيانٌ، ولم يكن الوسط اَنذاك ليرضى عن جبافي يذهبُ
ويروح. ولو كان في حسان جبنٌ لما رضيَ عنه الرسول ك! ي!، ولكان دعا له
أَنْ يذهَبَ عنه جبنُه، ولكنَّ آفة كانت في يدِ حسانَ - فهو مقطوع العصب - لم
تكن تمكّنه من حمل السلاح.
وتقومُ النصوصُ في نفوسنا بتلك الأطرِ التي يضعُها أستاذُنا فيها، فإذا بنا
ننفعلُ بها ونتفاعل، وإذا بنانحسُّ بها إحساساً، قلّما أحسسنا بمثله من قبل.
ولكأننا نرى النابغة يقفُ في سوق عكاظ تحت قبّته الحمراء يستمعُ للشعراء
يحكّمونه في جديدهم، ولكأننا به يقف بين يدي الملك النعمان، يمدحُه،
فيستفيضُ في مدحه، أو يهابُه بعد ذلك فيهربُ، ويطولُ ليلُه فلا ينامُ فنشفِقُ
عليه.
ويحفَلُ أستاذنا بطريقؤ شيّقة أسبابَ غضب النعمان على شاعر 5 المجفي،
ويسوقُ اسبابأ كثيرةً، فيرفض بعضَها، ويرجِّجُ أخرى، مستعيناً بالنصوص
النثرية والشعرية والأخبار حتى يقيمَ في ذهننا ما يستقيمُ للحجة.
ومن أعظم ما اقتبسه بعضُنا من أستاذنا الدكتور شكري أسلوبهُ في الكتابة
التي كان يمليها علينا حينما يحلِّلُ النصوص ويدرسُها. كانت الجملُ بين يديه
كالعجينةِ يقطَعها، ويكورها، ويمدّها، ويبسطها، لتكونَ جاهزة للخَبْزِ،
وكالصلصال الطريِّ يقومُ به الفاخوريُّ، يبدعُ منه كلَّ آنية جميلة.
25

الصفحة 25