كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

ولم يكن أستاذنا حين يملي علينا يقرأ من كتاب، أو يطالعُ من دفتر، أ و
يقتبس من أوراق، وإنّما كان يمتح من ذهنٍ وقّاب، ولسان قوال فصيحٍ،
يهدرُ هدراً، لا يكادُ يقفُ أو يتريّث إِلا من اجل أن نكتبَ نحن الطلاّب،
الذين كلّت أصابعنا من الكتابة السريعة، فنخشى أن تفوتنا كلمةٌ هامة، أ و
جملةٌ مفيدة.
ومع هذه المتعة، ومع هاتيك البشاشة، ومع ذلك الانبساط في المعاملة
والحديث، لم يكن أستاذنا ليجانبَ الوقارَ والسيطرةَ علئ الدرس، وما كان
يجرؤ طالبٌ او طالبةٌ أن يتفوّ 5 بكلمة خارجةٍ عن الموضوع أو مُزاحٍ غيرِ
مقبول، او تصرّف لا يليق، لأنّ الجميع عرفوا انَ مع ذاك اللين قوةً هي قوة
القادر المتمكن.
ومن هنا كانوا إذا تحلّقوا حوله بعد انتهاء الدرس، ووافَوْ 5 بما عندهم من
أسئلةٍ طرحوها بأدب جمّ، واصوات منخفضة، ووجو 5 حيية. . واستمعوا
للإجابة بكل اهتمامٍ، وناقشوا بكل احترام.
ومن هنا تخرّج معظمنا حين تخرجوا ليتسلموا وظائفهم في الثانويات ا و
الجامعات، فكان كثير منهم يتمثّلون شخصية استاذنا مع طلابهم،
ويحاولون ان يكونوا مثله، يقتدون به. . فكان منهم مدرّسون وأساتذة
ناجحون.
وأيقنّا جميعأ انّ أستاذنا قبلَ ان يحملَ لهم العلمَ، قدّم لهم التربية، وربّى
فيهم الخُلُق بحاله قبل مقاله.
***
26

الصفحة 26