كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

أرأيتَ إلى هذه السلاسة في الجمل، التي يأخذُ بعضُها برقاب بعضٍ، فلا
تستطيعُ أن تنفذَ من بين كلماتها إِلى قفز؟ يمكن أن تزيدَ فيها أو تنقِصَ،
ولا أن تقفَ في موقفٍ قبل أن يقفك صاحبُها، تجري كجدولِ الماء الصافي
بين الحصى الملونة والأعشاب الزكية الرائحة، لتقفَ عند اَخرِها في البحيرة
الجميلة.
وانظر إليه يتحدَّثُ عن حرب رمضان - تشرين عام (973 1 م) فيقول (1):
"في خلال الأبام العشرين من أبام معركة رمضان في سيناء والجولان كان
الإنسان العربي نهبَ مشاعرَ كثيرةٍ، وكانَ الوجودُ العربيُّ نهبَ وقائعَ مثير:،
وكانت الحباةُ العربئةُ تعاني مخاضاً قاسياً بعد حمل قاسٍ. . كانت تعاني ولادةَ
الإنسانِ الجديدِ، الذي يتجدَّدُ فيه لحمُه وعظمُه وَّجَلدُه بقدر ما يتجذَدُ فيه لبُّه
وعقلُه وقلبُه. . . ويحسُّ، مع كلِّ نبأ وإثرَ كلِّ معركةٍ، أنّه يُخلَقُ خلقاً
جديداً، يعاود فيه سيرته أيام رسالاته، متخالّياَّ كَل فتراتِ الضعف والسقوط
والخدر".
ويتميّزُ أسلوبُ أستاذنا أحياناً كثيرة بأنه يطرح في كتاباته أسئلة شتى،
يُلحقُ بعضها ببعض، حتى لا يتركَ لك وقتاً للتفكير في الإجابة عنها، وهي
بعدُ أسئلةٌ مهمة بين يدي البحث، ولعلّه يشوّقُكَ إلى الجواب، ويثيرُ فيك
مكان الفضول، لتنظرَ ما يفجؤك به من المتابعة.
انظر إلى مطلع كتابته في مقالته (2) "قراءة جديدة لمعلّقة النابغة ":
"أين تقع هذه المعلّقةُ من أدبنا العربي؟ أيةُ قيمٍ جماليةٍ، وأيةُ قيم نفسئة
تنطوي عليها؟ ماذا قال النابغة؟ وكيف قال؟ ما الذي كان يملأ وجوبً اَنذاك
وكيانه كله؟ ما الذي كان يستبدُّ به، فيدفعه إلى أن ينشِى هذا الأثر الفنيَّ على
(1)
(2)
مجلة المعرفة مقال: الواقع والرؤية في الوجدان العربي. ص 17، العدد
42 1، كانون الأول 973 أم.
مجلة المعرفة، ص 48، العدد 137، تموز 973 أم.
37

الصفحة 37