كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

الاخر لا يبالي به، ذلك لأن فريقاً من أساتذتنا كرهوه كراهية مغلَّظة، ونقلوا
إلينا تلك الكراهية بأغلط منها، منطلقين من أنّ الرجل شكك بصدقية القراَن
الكريم في كتابه (في الشعر الجاهلي) وشكك بأشياء كثيرة جاءتنا عن
العرب، وكنا مندفعين اندفاع الشباب وراء مَنْ يسبُّه، نصفق له ونهلل ونردد
كلماته بحماسة لا ندري كثيراً مما وراءها.
كان ذلك في غياب الدكتور شكري، إذ كان مسافراً يضرب في افاق
الأرض، ثم كانت النتيجة انّ ذاك الفريق من أساتذتنا الذين سبُّوا طه حسين،
وكالوا له اللعنات رجعوا ففعلوا مثل ذلك، فغمزوا من قناته وتناولوه ذمّاً0
وفي السنة الثانية من دراستنا بالجامعة صرنا تلاميذ أستاذنا الدكتور
شكري، وكنّا وقتها لا نميّز بالميزان الصحيح ماكان له وماكان عليه،
ودخلنا دروس أستاذنا حذرين لنرى فيه رأينا، فوقعنا منذ الدروس الأولى
على رجل حصيف، يتكلّم بهدوء، لا يسبُّ ولا يشتم، ولا يثور
ولا يفور، كلُّه هدوءٌ وعلم، يروعُك بكلماته التي يرصف بعضها إلى بعض
فيتكلّم بكلام الأدباء، ويروعُك بنتائج العلماء.
وتناول أستاذنا مشكلات طه حسين في الشعر الجاهلي بمنهج علمي
(1)
ر ئع، ولقد كنا نكتب عنه أماليه التي يمليها علينا من غير أوراق امامه إلا
رؤوس أقلام وخطوطاً عريضة، فتأتي علئ سطورنا الحيية كلامأ رائعأ حلواً
نتعلّم منه كيف تكون الكتابةُ، وكيف تتهادى الجمل.
قال الدكتور عدنان الخطيب ة "كان شكري فيصل أديبأ موهوباً، وناقداَّ
قَويَّ العارضة بالغَ الحُجَّة، وله قلمٌ سيّالٌ يدور بالمشكلة مع اوجهها
المتباينة، وقد لا يقطعُ بأمرٍ إلا مضطراً، واضج التعبير، سهل
المفردات. . .
وكان حريصاً علئ نقاء أسلوبه، يخافُ عليه من السرعة أن تضيمَه، وإن
(1)
لا شك أن للدكتور طه حسين آراء شذ بها هي محلُّ نقد، انظر كلام الدكتور
شكري في هذا الكتاب في ص (60 ا- 164) (ن).
39

الصفحة 39