كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وما كادت سورية تفرح باستقلالها، وتنعم بحريتها، حتى كانت سنة
(948 ام)، وفوجى المسلمون والعرب بنكبة فلسطين، فاهتزّت لها
مشاعرهم وعواطفهم، واعتصر الألم قلوبهم، فتحرّك كل عالِمٍ وأديب
وشاعرٍ ومجاهدٍ يسعى لاسترداد ما اغتصبه الصهاينة بالمكر والخيانة.
وأصيب أستاذنا بحيرةٍ، ما واجبه؟ وما الذي يجب أن يفعله؟ فكتب في
ذلك مقالاً بعنوان: "عار لا يُمحى "، وفيه يقول:
"حين فتحتُ عينيَّ في الصباح كنتُ كالذي يستيقظُ من حُلُمٍ مرعبٍ، لم
آكنْ شهدتُ ما يؤرّقني ويزعجني، ولكنّي أعلمُ أنّي أويتُ إِلى فراشي، وعلى
شفتيَّ هذه الأسئلةُ التي يدور بها ذهني، وينطلِقُ بها لساني: ماذا تفعل هنا؟
آي شيء هذا العلم الذي تجهد له، وتُفني فيه الوقتَ والصحَّة والشباب؟
ما يكونُ من شان العربية التي تعملُ لها وتنطوي جنديّاً إن قُدِّرَ لصهيون أنْ
تحقِّقَ آحلامها، وآن ترفعَ أعلامَها. . . أين يقعُ هذا العملُ الذي تحبسُ
نفسَك عليه من هذه المعارك التي تدوّي، والنفوس التي تستشهد، والبلاد
التي تضيع بين حُمْقِ القيادات وحِقْدِ الزعامات وأطماع السياسات وحقارة
الأغراض. . . أين أنتَ؟ وما شانك؟ وهذا الطريق لا طريقَ غيره قبل آن تسوّى
معالمه، وترفع صواه، وينتهي إلى غايته من طرد العدوان، وصد الطغيان
ورد الغزو الأحمق ".
وينهي المقال بقوله:
"لن يكون في أعناقنا ولاء لأي واحد من هولاء الذين يتمثل فيهم سلطان
العرب قبل أن يمحى هذا العار. . إن أيدينا لن تصافح من جديد إلا أولئك
الذين طهروا أيديهم من هذا الرجس، وغمسوها في دم أعدائهم سبع مرات
متواليات " (1).
(1)
مجلة الرسالة، السنة السادسة عشرة، المجلد الاول، عام 948 أم ص ه ه ه
557.
48

الصفحة 48