كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

المنتج فيه، وأمينَه المؤتمن، فشدّني إليه، وضمّني إلى لجنة تحقيق كتاب
(تاريخ مدينة دمشق! لابن عساكر، فتثلمذتُ له في التحقيق وأصوله،
وتعلم! منه أشياء لم يبخل بها عليَّ، وأفدتُ منه كلَّ الفائدة، ودفعني إلى
عالم التأليف والكتابة والتحقيق. .. فأمضيتُ في كنفه سنوات ممتعة
ومفيدةً، كان فيها تفتّحي وتخرّجي.
ئم تقفبتْ به الأحوالُ رحمه اللّه بعد أَنْ أحيلَ إلى التقاعد من الجامعة،
فعانى من حسد الحاسدين وكيد الكائدين، وازدادتْ مصائبُه، فصبر
واحتسب، وكان ينتظر الفرج وهو يقول: انتظار الفرج عبادة، ولكن هذ5
الأمور اخذتْ منه هدوءَه، ونزعت استقراره وطمأنينته، فأثَّر ذلك في صحته
فتدهورتْ، ولم يكن انذإكَ قد طعن في السنِّ، ولا أوغلَ في العمر، ولكنَّ
الهمَّ يخترِمُ الجسيمَ، ويهزِلُ القوفيَ، ويهرِمُ الشالث النشيطَ.
لم يتوقف شكري فيصل عن العمل، وكان مطلوباً في الجامعات كلِّها،
تخطِبُ ودّ 5 وتريده، وتغريه بكلِّ مغرياتها، وجفاه مَنْ كان يدّعي صداقته في
ساعات العُسر، وتنكَّر له عارفوه، فيمَّم وجهه شطرَ مدينة الرسول! لمجيم استاذاَّ
لَلدراسات العليا في جامعتها الإسلامية، يعطي -ولا يتوقف عن العطاء-
بكلّ ما يستطيع، وبقيَ يتردَّدُ إلى دمشق لحبّه الشديد لها، ولزيارةِ أرحامِه
وأقارِبه.
وفي المدينة المنورة كان لقائي الأخير به في بيته خلال موسم الحج لعام
(404 اهـ- 984 ام! وكان قد أخذ منه الإعياءُ مَاخذَ 5، وأشفقتُ عليه،
وأظهر لي من المودّةِ آنذاك ما لم أجد منه مثلَها من قبلُ، وشعرتُ وكأنَّ هذا
اللقاء لقاءُ مودِّع، وكنتُ اكذِّب ظنّي أو أطلبُ من اللّه أن يكذِّب ظنّي.
وفي ذلك اللقاء كتبَ مقدّمةَ تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر
الهجري، الذي اشتركتُ في تأليفه مع أخي وصديقي الدكتور نزار أباظة. . .
وكان ذلك من أواخر ما كتب لأنَّ قلمه توقَّف بعدَ ذلك، وجفّ مدادُه.
وصعقني النبأُ المؤلم، الذي وإفى اهلَه بدمشق ينعي أستاذنا الجليلَ الذي
لم يحتمل جسمُه مباضعَ الجراحين السويسريين، وتوقَّفَ القلبُ الكبيرُ عن

الصفحة 6