كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وهذا التواضعُ عرفه عنه أيضاً أبناءُ حيّه القديم في المناسبات العامة
والخاصة، فتودَدَ إليهم وبَرَّهم، ومدّ يدَ العونِ إِلى مَنْ قصده منهم، يستقبله
في بيته، ومن أراد منهم السفرَ للدراسة في مصرَ كتب إلى اصدقائه مستوصياً
بهم، ومدّ الكثير من أبناء حيِّه، فأعانهم بالجاه أو العلم أو بالمال، وهو
بذلك يصدر عن مشاعرهم، وينطلق من عواطفهم، ويدرِكُ إحساساتهم،
لائه نشأ نشأة كدٍّ وكدحٍ، فوصلَ إلى ما وصل إليه من درجاتٍ علميةٍ
ومناصبَ كبيرةٍ، واطلاعاتٍ ثقافيةٍ مختلفةٍ بجدّه ودأبه ونشاطه، فلم ينسَ
كلَّ مَنْ حوله، وبقي معهم يشاطِرُهم أفراحَهم وأحزانهم، فإذا تكلم مع
الكبار تكلّم على استحياءً وخجلى، وإذا جاء الفقير أو الصغير تواضع له كأنّه
والدٌ أو اخ كبير.
كانت الابتسامة على وجهه الذي تقرأ فيه الطيبَ والبراءةَ والفطرةَ
السليمةَ، ويندرُ ان تراه مقطّباً، وإذا غضبَ لأمرٍ ما عاد سريعأ إلى طبيعته
الهادئة ولطفه المعروف، لائه كان ذا بصيرةٍ داخليةٍ، يُدرِكَ بواطن الأمور
وخوافيها، وكانت طبيعتُه تتغلّب على ما وقع وأدى إلى الغضب.
إن في ذاكرتي مواقف - وما أكثرها - لثناهدتُها منه، في الجامعة، وفي
المجمع، وفي البيت، وفي السفر والغُربة، ورأيتُ تلك المواهب
العظيمة، والسجايا والصفات التي تدلُّ على الأصالة الخُلقية والسمو الروحي
الكبير.
3 - ا لإيثا ر:
ومن صفاته المتميزة: الإيثار، فقد شغلته همومُ أمته وواقعها وتفرّقها عن
نفسه، فكان دائم التفكير بسعادة أسرته ومن حوله من أهله وجيرانه وأصحابه
خاصة، ووطنه وأمته عامة.
كان يكره "الأنا" ويمقتُها، ويشاهِدُ ذلك عند بعض الذين شغلتهم ذاتهم
عمّا سواها، ويرى المتباهين باعمالهم - ولو كانت لا تصلُ إلى المستوى
المطلوب - فيغضي حياء، وينأى عنهم خَجَلاً، وإذا سمع ذلك قال: سلاماً.
61

الصفحة 61