كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

ويزدادُ ألمه من تضخُم "الأنا" عند الناس على مرّ الأيام، واستمر ذلك
حتى اخر حياته، ففي مقدمته لتاريخ علماء دمشق (1) (وهي من أواخر
ما كتب):
"إنّ هذا الوفاء الذي يمثّله الحديث الشعريف: "ليس مِنّا مَنْ لم يوقِّر
كبيرَنا، ويَرْحَمْ صغيرَنا" أوشكَ أَنْ يُنسى في خضمٍّ من نمو الذات، وتضحُّمِ
الأنا، وغلبةِ النظر الضيى للذات الفردية.
الجيل الحاضر يوشكُ أن ينسى - إنْ لم يكن قد نسيَ فعلاً- فَضْلَ الجيل
الذي سبقه، والجيل الذي ياتي يوشك ان ينسى فضل الجيل الحاضر،
و"الأنا" تعصِفُ بالرؤوس والنفوس، على حين أنّ التاريخَ حلقات تتسلسلُ
واحدو منها إثر واحدة، والمجتمع اجيال متعاقبة بعضُها يلي بعضاً،
والحضارةُ لبناث متماسكة يتكوّنُ منها الصرحُ، وليس لحلقةٍ أو جيل أو لبنةٍ
أن تدّعيَ لنفسها فوق الذي لها. ومن هنا ياتي ما يكونُ مِنْ عملِ هذا الكتاب
في نفسك: أن ينمّيَ فيها الشعورَ بالوفاء، والاعترافَ بالجميل للذين تقدمونا
على طريق بناص هذا المجتمع في مرحلة التأسيس، واستعادة عناصر الخير
فيه، وإشاعتها في هذا الجيل في مثل قوتها في الأجيال الزاهية من أجيال
الحضارة العربية الإسلامية ".

إنّ تواضع أستاذنا وإيثارَه، وإحقاقَ الحقِّ عنده، والاعترإفَ بفضل
الاخرين عليه نجدُ شواهده في تلك المقدّمات لكتبه التي تحدّثَ فيها عن
عمله، فلم يصل الغرور إليه، ولكنّه يسأل اللّه البعد عن هوى النفس، فيقول
في مقدمة تحقيقه لتاريخ ابن عساكر: جزء عاصم:
"وبعدُ، فما أكثرَ ما يخالِ! أعمالَ الإنسانِ أحيانأ من هوًى، وما يُدَا خِلُه
(1)
تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر، تأليف محمد مطيع الحافظ ونزار
أباظة، طجع بدار الفكر بدمشق، سنة (06 4 أهـ= 986 أم).
62

الصفحة 62