كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وسبب اختياره لهذا الموضوع هو أنّه كان حريصاً على أن يبوِّئ الحركة
الإسلامية مكانها من هذه الحركات التي تمخّضت عنها الإنسانية، وأن يدركَ
في شيءً من العمق دورها الضخم في قيادة الناس، وأسلوبها في جمعهم
على صعيد واحدٍ من الفكر والعقيدة واللغة.
واستقرّ عنده أنَّ موضوعاً يعرض لدراسة الفتج الإسلامي، وتكونُ غايته
البعيدة أن تبلغَ اثاره من حيث التطور اللغوي والأدبي في المجتمعات
الإسلامية، يجب أن يقوم على دعامتين: أولاهما من التاريخ نفسه، والثانية
من علم الاجتماع، وعلم الاجتماع اللغوي بوجه خاص.
اعتمد استاذُنا لإبراز صورة المجتمعات الإسلامية بعد فتوحات الإسلام
على التحليل والتركيب: كيف كانت الطبقات في البلاد التي فتحها
المسلمون؟ ما هي لغاتهم؟ كيف تمَّ الامتزاج مع هذه الطبقات؟ وما هو أثر
التفاعل في هذا الامتزاج؟ كيف خالطت لغةُ العرب لغات الشعوب التي انتشر
فيها الإسلام؟ ما هي الفائدة التي جنتها العربية من هذه اللغات؟. . .
واراد أستاذنا أن يوضح أنَ المتعارف في المجتمعات الجاهلية أنها كانت
عبارة عن عصبيات متناحرة، تقوم على خلاف القبائل وانقسامها، وأنَّ هذ5
القبائل كانت وكأنّما كل واحد؟ منها امةٌ مستقلة، ولكنَّ هذا المتعارف لم
يذهب إليه الدكتور شكري، ولكنّه قرر أن مجتمعات الجاهلية لم تكن على
هذه الصورة من الجمود والتشتت، ولم تكن القبائل تعيشُ في هذا التباعد،
وإنّما كانت هناك حركة تسوقُ القبائل وتقرّبُ بينها.
وفي المجتمعات الإسلامية بعد الفتوح أصبحت اللغةُ العربيةُ ملك
الولايات التي فتحت، فامتزج العربُ بأهل تلك الولايات، فكان لهذا
الامتزاج أثرٌ في العرب أنفسهم وفي لغتهم، انتقل العرب من البدو إلى عالم
كانت آَفاقه جديدة، فاتصلوا بمدن ورثت أشياءَ كثيرةً من الحضارات
القديمة، وأدّى هذا الامتزاجُ إِلى انقلابٍ في أفكارهم، ولغتهم وادبهم،
وكانت عواقبُ ذلك أنِ استفاض اللحنُ في كلام الناس، ولكنَّ لغة العرب بعد
الفتوح غلبت كلَّ اللغات، فلم تستطع لغةٌ واحدةٌ منها أن تستأصل العربية.

الصفحة 80