كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وعقائدها وعاداتها، ولم يقلبها رأسأ على عقب، بل سارَ فيها السيرَ الواعي
الذي أمرَ به الشرع في قوله تعالى: " لَاَ إِكرَاهَ فِى ألذِينِ " أ البقرة: 256)،
وقوله: " أَفَأَنتَ تُكزُ اَلَّاسَ حَتَى يَكُولُؤا مُؤْمِنِينَ " أيونس: 99)، وقد تتبع
حركة انتشار الإسلام المذهلة في أرضٍ متعطشة إلى نور المعرفة، فجزَت
وراءَها حركةَ تعريبٍ واسعؤ، وواكبت حركة انتشار الإسلام حركةُ التعريب
علئ نطاق واسع، إِلاَ أنّ هذه المواكبة اصطدمت في بعض المجتمعات
الجديدة، فقصَّرتْ حركةُ التعريب عن حركة انتشار الإسلام، ومن خلال
استقرائه الوقائع وجدَ المؤلِّفُ أنَّ اللغة الفارسية قاومت اللغة العربية في بلاد
فارس مقاومة عنيدة، وقد أرجعَ فشل تعريب هذه البلاد إلى سببين:
الأول: أن المقاتِلةَ العرب لم يكونوا يتجاوزون - يوم استُخْلِف
سليمان بن عبد الملك عام (96 هـ) علئ حذ تقدير المؤرخ البلاذري؟ وهو
حجة موثوقةٌ - أربعين ألفأ من مقاتلة البصرة، وسبعةَ آلاف من مقاتلة
الكوفة، وسبعةَ آلاف من الموالي، وكان مَنْ وراءهم من العرب في تلك
البلاد لا يزيدون على أربعة أمثال هذا العدد، وبذلك لم يكن العربُ
الموجودون في البلاد يزيدون على ربع مليون فقط، في وسط تلك
الإمبراطورية الواسعة ذات الأمجاد التليدة والمعتزة بماضيها.
اما السبب الثاني في فشل تعريب فارس فهو: انقسام الفاتحين العرب في
فارس، وتخاصُمُهم فيما بينهم، الأمر الذي حملهم على الاهتمام بامور
أخرى غير التعريب.
ومع ذلك فإنَ القرون التالية سوف تشهدُ فرساًاستعربوا وأصابوا حظّاً عالياً
من الثقافة العالية والتأليف في مختلف علوم اللغة العربية.
وليس بدعأ أن تأخذَ اللغةُ العربيةُ عن لغات الشعوب غير العربية التي
أسلمت كثيرأ من ألفاظها، فاغتنت بها، ووسعت قاموس ألفاظها، كما أنّه
من طبيعة الاشياء أن يأخذ الفاتحون العرب من الشعوب التي أخضعوها كثيراً
من عاداتهم وتقاليدهم بسبب المعايشة المشتركة، بعد أن كيَّفوها، وعذلوا
فيها، لتنسجم مع أحكام الإسلام الذي أصبجَ دين الدولة.
82

الصفحة 82