كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

وكان من آثار هذا الاختلاط تسرّبُ اللكنة الأعجمية إلى الألسنة، فالصاد
مثلاً عسيرة اللفط على الأعاجم، وكانوا يخطئون في تركيب الجمل نفسها
حتى لتستعصي على الفهم. . غير أنَّ كثرة الاعاجم واختلاطهم القويَّ بالعرب
أثَّرا في اللغة العربية أثراً سيئاً. . وقد عرفت حركة الفتوح أدباً جديداً تمثَّل
أكثر ما تمثل في تمجيد البطولات في خوض المعارك، ورفعة راية الجهاد،
والاستشهاد في سبيل اللّه، ونشر الدعوة. . ولكن حين تدخلُ السيوفُ في
أغمادها، ويضمّدُ المقاتلون جراحهم في أرض الغربة، يأخذهم الحنين في
هدأة الليل إلى الاث والأم والزوجة والولد في أرض الوطن، فيترجمون
عوإطفهم هذه بأبيات أو قصائد أخذت تُعْرَفُ بشعر الموإجد.
غير أنّه بعد أن يتحقق النصر، ويسود السلم، يأخذ المقاتل بالاندماج في
الحياة المدنية، ويخْلد إلى راحة الأسرة التي أنشأها كثيز من العرب في أرض
الغربةِ، وعندها تعودُ الشاعرية إلى القلوب تَحفِرُ في ئناياها مساربَ لينابيعَ
صافيةٍ، تترقرق على جنباتها شعراً غزليّاً ناعمأ متأثرإً برقة البيئة الجديدة،
وهي علئ كلِّ حالي بيئة بعيد! عن بكاء الأطلال، وبعر الارام، أو مراجيع
الوشم في نواشير المعاصم.
غير أنَّ السياسة ما لبثت أنْ حركت عقاربها في صورة أشعار نظمتها الفِرقُ
الدينية في الدعوة إلى مبادئها".
ويقول الاستاذ شفيق جبري:
"لقد استطاع الدكتور شكري أن يصوّرَ لنا في مؤالَفه العظيم هذا العالم
الجديد الذي تصارعتْ فيه بعدَ الفتوحات الإسلامية لغةُ العرب ولغات ثانية،
ومجتمع العرب ومجتمعات ثانية، حتى كدنا نرى آثار هذا التنازع بأعيننا،
فكأنما عشنا بين ظهراني الإماء والعبيد، والزنوج والأنباط، الذين خالطوا
العرب، فتعلموا لغتهم، وجمعوا بينها وبين عجمتهم، ولكنَّ لغة العرب
بعد الفتوح غلبتْ على كلِّ اللغات التي مرّت بها، فلم تستطع لغة واحدة منها
أن تستأصل العربية.
83

الصفحة 83