كتاب شكري فيصل العالم الأديب المجمعي

الدينية القوية، واستمساكه بالقواعد الشرعية، وقد بحث الدكتور شكري هذا
التطوّر بحث العالم الموضوعي لرسم مساره، وإبراز الفوارق بين عصرٍ لم
يكن يردع الشاعر فيه رادع، وعصرٍ كان على الشاعر فيه ان يعرف انه يتحرّك
بين الحلال والحرام، وبين المباح والتعرض إلئ حد القذف.
وقد خصص الدكتور شكري كتابه المتألّق والمتأنّق لدراسة تطور الغزل
العربي من امرئ القيس الذي قالت له فاطمة، وقد حال بهما الغبيط:
"عقرتَ بعيري يا امرئ القيسِ فانْزِلِ ".
إلى عمر بن أبي ربيعة الذي نقل عنه الرواةُ وهو يحتَضرُ انّه أقسم باللّه على
انه لم يرفع ثوبه على حرام، اي: إِنَّ غزله كان نفثاتِ قلب موجَع يتغذّى
بالاوهام.
وقد برهن المؤلّف عن تمكنن من النصوص الأدبية، وطاقةٍ عجيبة في
تحليلها، واستخراج أعمق المعاني منها. . ويخلصُ إلئ القول بأنَّ الغزلَ
الجاهلي يتّصف بأنه غزل تشبيهي، يُعنى بالمظاهر الخارجية، ومنه ما يمتازُ
بالدقة، ومنه ما يظلّ سطحيّاً. . والمرأة عند الجاهليين شيءٌ هام في حياتهم
العاطفية والجمالية، وجمالُها هو الصورة المثلئ للجمال، وفي الحديث
عنها كان امرؤ القيس مثلأ يتمتع بجرأة صتناهية في القول الماجن، وكان عنترةُ
يتغزل باحتشام في عبلة، لا يُسِفُّ ولا يترخّص في القول.
والحب في الإسلام - كما يقول الدكتور شكري - ليس قَصرُ هذه العاطفة
السامية على إرواء الهوى، هاشباع الغرض، وإنّما يجب أن يكون قوة حافزة
ودافعة إلى تحقيق غايات الدين من إعمار المجتمع، وإنشاء الأجيال المؤمنة.
ويبدو لنا أنَّ الغزليين الإسلاميين لم يبقوا علئ هذا الفهم، فقد انشطروا
إلى شعراء أحبوا محبوباتهم حبّا عذريّاً كجميل بن معمر، وإلى شعراء
اتخذوا من الغزل مطية لإثبات شاعريتهم القوية، ولم تقصِروا حُبَّهم على
بثينة والأخيلية، بل عددوا النساء اللواتي تغزّلوا بهنّ! وما احلى ما قاله
عمر بن أبي ربيعة في هذه الائيات العفيفة:
90

الصفحة 90