بين المذاهب الإسلامية جمع الاَراء الفقهية وتقييمها والموازنة بينها بالتماس
أدلتها، وترجيج بعضها على بعض. وتفيدُ هذه المقارنة الفقه الإسلامي من
حيث الكشف عن مكنون جواهره، وعدالة مبادئه، ورسوخ قواعده،
وتجلي ما فيه من روائع الاجتهاد والاستنباط والتوليد والتخريج (1).
والمتتبع لكتابات الشيخ عبدالوهاب خلاف يجد أنّه اهتم بهذه
المقارنة، ولم يقفْ فيها عندَ مذهب واحد من المذاهب، وكتب عدة
مقالات في اسباب اختلاف الفقهاء، وان اختلافهم رحمةً للأمة وسَعة،
حيث قال: "إن الاختلاف الذي وقع بين مجتهدي المسلمين فيه رحمة
بالأفراد وبالجماعات؟ لأنه اختلادث في جزئيات تختلف فيها المصالج
باختلاف الأحوال والأزمان، ورُبَّ حكم منها يكون فيه رفق ورحمة ورفع
الحرج عن شخص في حال معينة، ولا يكون كذلك بالنسبة لشخص آخر،
ورب حكم يتفق ومصلحة الأمة في زمن، ولا يتفق ومصلحتها في زمن آخر.
فمن التوسعة على المسلمين والرحمة بهم أن يجدوا من الأحكام
المختلفة في هذه الجزئيات التي تتطور بتطور الأحوال ما يجعلهم في سعة
من أن يأخذوا لكل حال ما يناسبه من الأحكام، ويقننوا لكل أمة ما يحقى
مصالحها" (2).
ومن الأمثلة التوضيحية في مجال الأفراد ذهب الشافعي إلى أنّ شرط
التحريم في الرضاع خمس رضعات مشبعات متفرقات، وذهب أبو حنيفة
إلى أنَّ التحريم بالرضاع مسئمث برضاع الطفل في سن الرضاع ولو قطرةً
واحدةً، ففي بعض الحالات يكون الأخذ بمذهب الشافعي مفرجأ ازمة بين
الأسر.
(1)
(2)
ومن الأمثلة التوضيحية في مجال الأمة تعديل القوانين، ففي مصر
الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للقرضاوي ص: 28.
مفال: "في اختلاف الأئمة رحمة " لخلاف، لواء الإسلام (1949 م)، ص:
15.
102