وأرجع هذا التوهم عند هؤلاء الباحثين إلى أنهم رأوا أنّ النصوص
التشريعية في القران والسنة نصوص معدودة، والوقائع التي شرعت أحكامها
وقائع محدودة، وأنهم رأوا أن الشارع الإسلامي لا بدَّ أن يكون قد راعى في
تشريع ما شرعه من الأحكام لتلك الوقائع حال الأمة ومقتضيات البيئة.
وما يصلج لبيئة قد لا يصلج لأخرى، ورأو! أنّ الأدلة الأخرى التي يصدر
عنها التشريع فيما لا نصّ فيه أدلة غير ممهدة للاهتداء بها، وعلماء المسلمين
أحاطوه! بأسوار من القيود والشروط والالتزامات ضيقت نطاقها، وسدت
ابوابها، وجعلتها غير عملية.
والتمس الشيخ رحمه اللّه بعض العذر لهؤلاء المتوهمين فيما توهموه، لأن
نواحي الخصوبة والمرونة في النصوص التشريعية في القران والسنة نواح دقيقة
لا يحيطُ بها إلا مَنِ استقرأ تلك النصوص، وراضَ عقله على الاستدلال
بها، وأنعمَ النظر في جملتها وتفصيلها، ولأنّ نواحي الخصوبة والمرونة في
سائر الأدلة قد غطاه! علماء المسلمين ببحوث لفظية واختلافات جدلية
وشروط وقيود ذهبت بمرونتها، وحالت دون الاهتداء بها. واشتد تحخرُ
هذه المصادر، وزاد تراكم الأتربة عليها بسد باب الاجتهاد، وإيجاب تقليد
مجتهد من الأئمة الاربعة، فإنّ هذا عطّلَ استعمال مصادر التشريع في
الاستنباط وجمده!، وعينُ الماءِ إذا لم يرده! الواردون غاض ماؤه!،
والأسلحةُ إذا لم تُستعمل علاه! الصدأ، وخيل إلى رائيها أن العيب في
جوهرهإ. والحقيقة أن عين الماء فياضة، والأسلحة جوهره! كريم، لو
وجدت من يحسن استعمالها.
وأما المحور الثاني فهو يتعلق بنواحي الخصوبة والمرونة في مصادر
التشريع الإسلامي، فهي معين لا ينضب ماؤه، وهي كفيلة بتطور التشريع
والتقنين المعاصر. ومن هذه النواحي:
1 - الخصوبة والمرونة في نصوصٍ القر%ن الكريم: بالرغم من قلة
النصوص في القرآن، إلا أن فيها سعة ومرونة وخصوبة، ويظهر ذلك في
عدة نواخ:
143