كتاب عبد الوهاب خلاف الفقيه الأصولي المجدد

أ - إن نصوص القراَن لم ترد على نمط واحد من حيث التفصيل والإجمال
في كل فروع الفقه: ففي العبادات والأحوال الشخصية جاءت مفصلة، لأنّ
العبادات وما في حكمها لا مجالَ فيه للعقل، ولا تتطور أحكامها بتطور
البيئات، وأما المعاملات التي تختلف باختلاف البيئات؟ وتتطور بتطور
المصالح، فلم تتعرض نصوصُ القراَن فيها للتفصيل، بل اقتصرت على
الأحكام الاساسية والمبادئ العامة، التي لا تختلف فيها بيئة عن بيئة،
وتقتضيها العدالة في كل أمة، ليكون اولو الأمر في أية امة في سَعة من أ ن
يفرعوا ويفصلوا حسبما يلائم حالهم، وتقتضيه مصالحهم، من غير أ ن
يصطدموا بحكم تفصيلي شرعه القرآن، ثم ذكر أمثلة على ذلك من البيوع
والإجارات والقانون الدستوري وقانون العقوبات.
ب - إنّ نصوص القرآن في دلالتها على الأحكام لا تقتصر على الألفاظ
والعبارات: وإنما تدل على الأحكام أيضاً بفهم روحها ومعقولها، ولهذا
قسمت دلالة النص إلى دلالة بمنطوقه، ودلالة بمفهومه، وقسمت دلالته
بمنطوقه إلى دلالة عبارته، ودلالة إشارته، وقسمت دلالته بمفهومه إلى
دلالته على حكم المفهوم الموافق، ودلالته على حكم المفهوم المخالف.
وبهذه الطردا المتعددة توصل المجتهدون من النص الواحد إلى عدة أحكام.
ج - إن نصوص القرآن لم ترد كلها بأحكام مجردة عن عللها والمصالح
التي شرعت لأجلها، بل ورد كثير منها مقرون فيه الحكم بعلته صراحة ا و
إشارة. وهذا يدل على أن الأحكام ما شرعت لمجرد التعبد بها، كما يدل
على أنّ الأحكام تدورُ مع مصالح الناس، كما يدل على أنه ينبغي على
المجتهدين قياسُ ما لا نصّ فيه على ما فيه نص إذا تحققت فيه علة الحكم
الذي ورد به النص.
د - إن النصوص التشريعية التي شرعت أحكاماً في فروع المعاملات كمّلت
بنصوص قررت مبادى عامة وقوانين تشريعية كلية لا تخصّ فرعاً من القوانين
دون غيره، لتكون هذ 5 المبادئ العامة والقوانين الكلية هادياً للمجتهدين في
التشريع، ومصباحاً يحققون في ضوئه العدل ومصالح الناس.
144

الصفحة 144