وبيّنه اتمّ تبيين، ومحورُها وروحُها عبادة اللّه بأنواع شتى من العبادات. .
وهي تتفق مع مصالجَ الناس، لأنها تهدِفُ إلى تهذيب نفوسهم وتربيةِ
ضمائرهم، وتكوين بيئة صالحة ينتهي الأفرادُ فيها عن الفحشاء والمنكر.
وأما الأحكام العملية المتعلقة بمعاملات الناس من بيع وإجارةٍ، ورهنن،
ومضاربةٍ، وعقوبات، وجناياتٍ، وطرق المخاصمات وغير هذا من
المدنيات والجنائيات. . فهذه ما فصلها القراَنُ، وإنما اكتفى فيما ذكره منها
بالإجمال، واقتصر على الاحكام الأساسية، لأنّ اللّه سبحانه ما قصدَ بما شرع
من أحكام المعاملات إلا تحقيىَ مصالج الناس، ومنعَ الإثم والبغي، وأن
يأكل بعضُهم مال بعض بالباطل. . وعلى المسلمين -في كلِّ عصر- أن
يفصِّلوا احكامَ معاملاتهم بما يلائم بيئاتهم، وما يتفق مع مصالحهم في
حدود الأسس التي وضعها القرآن، فهو سبحانه لم يفصّل لهم أحكامَ
معاملاتهم، ولم يبيّن جزئياتها ليكونوا في سَعَةٍ من مسايرة التطورات
الاقتصادية والحركات التجارية.
فأحكام البيع في القران أربعة أحكام، وكلها أحكامٌ أساسيةٌ لا تختلف
باختلاف البيئات والتطورات وهي: قوله تعالى: " وَأَصَل أللَّهُ اتبَتعَ وَحَزَمَ اَلرِّبَوأ"
أ البقرة: 275)، وقوله تعا لى: " وَأَشهِذُؤا إِذَا تبًايَغتُو" أ البقرة: 282)،
وقوله تعالى: " لَا شَآ! لُوا أَموَلَكُم طمَم بِاَلنطِل إِلَّا اق تَكُوتَ تِجَر5 عَت
تَرَاضٍ منكُم " أ النساء: 29،، وقمله تعالى: " إِذَا نُودِ! لِلصَّلَؤةِ مِن يَؤوِر
اَتجُمُعَةِ فَاشعَوْأ إِكَ دِبهر اللَّهِ وَذَرُوا اَتبَيعَ " أ الجمعة: 9)، وما جاء في السنّة
النبوية أكثرُه تفسير وتببين. وكذلك الشأنُ في الإجارة، والرهن والمداينة
والمضاربة وغيرها من أنواع المعاملات، وفي الجرائم والعقوبات، وفي
أصول المرافعات، وفي الأحكام الدستورية ونظام الحكم، وكل ما يختلف
باختلاف البيئات، ويتغيّرُ بتغير المصالح. .
كلنا نعلمُ أنَّ المسلمين فتجَ اللّه لهم بلاد الفرس والرومان، وأنّ أحكامَ
الإسلام كانت تنظِّمُ معاملات الناس المالية فىِ بلاد الحجاز، وفي بلاد
الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية وما ضاقت احكامُ الإسلام بحاجات
151