الناس في هذه البلاد المتنائية والبيئات المختلفة، ولا قصّرت عن
مصالحهم. . وكفُنا نعلمُ أن الحضارة في تلك البلاد بلغت مبلغاً عظيماً،
وزادت فيها حركةُ الثجارة والمعاملة، وزادَ الثراء. وما ضاقت أحكامُ
الإسلام بهذه السّعة، ولا وقفت عن مسايرة الحضارة؟ ذلك لأنَّ المسلمين
كان فيهم ذوو المواهب الذين آمنوا بأنّ الاخكامَ إنّما شُرِعتْ لمصالج الناس،
وأنَّ مصادر التشريع مرنة لا تجمد عن تحقيق مصالج الناس؟ فاجتهدوا
وسايروا باجتهادهم التطورات والمصالج.
13 - "النسيان والخط وأثرهما في الأحكام ".
مقال منشور في مجلة " لواء الإسلام "، السنة الخامسة (جمادى الاَخرة
1371 هـ= مارس 1952 م) العدد (0 1) ص: 612 - 616.
يبدو لي - واللّه أعلم - أنَّ الشيخ خلاّف رحمه اللّه كتبَ هذا المقال لبردّ
على تفسير الإمام محمد عبده للَاية: " رَبّنًا لَاتُؤَاضِذنَآ إِن ثنَ! مِينَآ اؤ أَخطَاناَ"
فقد قال في تفسيرها: "إنّ الناسي أو المخطى لا يخلو كلُّ واحدٍ منهما من نوع
تقصير يستحق المؤاخذة. ولهذا يقول الإنسان للناسي: ولم نسيت؟ ويقول
للمخطى: ولم اخطأت؟ وإنّ المؤاخذة على النسيان والخطأ ممّا جاءت به
الشريعة، وأقرته القوانين الوضعية، وجرى عليه عرفُ الناس في معاملاتهم
ومجازاتهم. وكما جاز ذلك وحَسُن في الدنيا؟ يجوزُ ان يؤاخِذ الله الناس في
الاَخرة بما يأتونه من المنكرات ناسين أو مخطئين، ولكنّه تعالى علمنا أ ن
ندعوه بأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؟ ليذكّرنا بما ينبغي من العناية
والاحتياط والتذكر، لعلّنا نَسْلَمُ من النسيان والخطأ، وأنّه لا يؤاخذ عليهما،
بل قصارى ما يؤخَذُ منه أنّ النسيان والخطأ مما يرجي العفو عنهما إذا وقع
العبدُ فيهما بعدَ بذل جهده والاحتياط. . ثم قال: ولعلّ إيراد الشرط ب إنْ-
دون إذا - للإيذان أنّ. . . هذا خلاف ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن " (1).
(1) تفسير الإمام محمد عبده.
152