كتاب عبد الوهاب خلاف الفقيه الأصولي المجدد

فقال الشيخ خلاف رحمه اللّه في الردّ: هذا التفسيرُ غيرُ ما يتبادَر من
الاَية، ولا يتفق وما تقرَّر في الشريعة من اعتبار النسيان والخطاً عذرأ في
بعض الأحكام، ولا يتفق وما وردَ في السنة من رفع الإثم عن الخطأ
والنسيان، ثم بيّنَ أثر كلٍّ من النسيان والخطأ في الأحكام الشرعية.
فالنسيان: هو غفلة الإنسان عن بعض معلوماته، أو هو زوال صور بعض
المعلومات من الذاكرة. ولا فرق بين النسيان والسهو، فهما مترادفان. وقد
اعتبر اللّه تعالى النسيان عارضاً من عوارض الأهلية، لكنّه لا يخرج الناسيَ
عن أهليته لأنْ تجبَ له حقوق، ولا! تجبَ عليه حقوقٌ، ولا يخرجُه عن
أهليته، لا! تعتبر أقوالُه وأفعاله شرعأ، وتترتبَ إلاثارُ الشرعية على ما يصدرُ
منه من قولٍ أو فعل؟ لأن الناسي حين نسيانه ما خرجَ عن كونه إنساناً عاقلاً
مميزاً أهلاً للوجوبِ له وعليه، وأهلاً لاعتبارِ ما يصدر منه، فلا يسقط عنه
التكليف بأيّ واجب من صلاة أو صوم أو زكاة أو حج. ولكن رحمةُ اللّه
بعباده، وإرادتُه اليسًر بهم، ورفعَ الحرج عنهم قضت أنّه لا يجبُ عليه أداءُ
ما كُلّفَ به إلا حين يذكر 5، وقضت باعتبار النسيان في بعض الحالاتِ عذراً
يقتضي التخفيف لبعض الاحكام الدنيوية والاخروية.
فاما بالنسبة إلى الأحكام الأخروية فإنّ المسلمَ إذا صدرَ عنه ما يستوجبُ
العقاب والمؤإخذة نسياناً لا يؤاخذه اللّه ولا يعاقبه، لأنّ اللّه سبحانه إنّما
يؤاخِذُ على قصد الإثم، ونيةٌ الخروج عن حدوده، وهو سبحانه يعلَمُ مَنْ
أثمَ عن إرادةٍ وقصدٍ، ومن أثمَ عن نسيان وغفلة، فمن رحمته غفرَ
للناس، وهذا استجابة للدعاء الذي أرشد اللّهُ إليبما عباده بقوله في ختام
سورة البقرة: "رَبّنًا لَا تُؤَاخِذنَاَ إِن ئن! مِينَاَ أَؤ آَخطَآنَا " 1 البقرة: 286،،
ومصداقُ قول الرسول! يّ!: ((إن اللّه تجاوزَ لأمتي عن الخطا والنسيان
وما استكرهوا عليه (1) ".
(1)
سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي (2045) وهو
صحيح.
153

الصفحة 153