وأما الخطأ: فهو وقوع الفعل من الإنسان على خلاف إرادته؟ أي بدون
تعمد ولا قصد منه. وبعض العلماء فرّدتى بين المخطى والخاطىء، بأنّ
المخطى هو من أرادَ أن يفعل الصواب ففعل غيرَ الصواب بدون قصد، وأما
الخاطى فهو من أرادَ فعل غير الصواب قاصداً متعمّداَ. وبعضهم قال: إنّهما
لفطان مترادفان ومعناهما واحد. وقد يكونُ الخطأ في نفس الفعل: اي إنّ
الفعل يقع من الإنسان على خلاف إرادته كمن اخذ في تنظيف بندقيته
فانطلقت رصاصةٌ منها فقتلت إنساناَ. فانطلادتى الرصاصة وقع على خلاف
الإرادة. وقد يكون الخطأ في المقصود بالفعل، لا في نفس الفعل، أي إنّ
الفعل نفسُه أريد، ولكنّه ما أريد به من أصابة: كمن راى شبحاً من بعيدٍ فظنه
صيداً فقتله، فإذا هو إنسان.
والخطأ كالنسيان في كونه عارضاً من عوارض الاهلية، لكنّه لا يخرج
الإنسان عن كونه أهلاً للوجوب، وأهلاً لأن تجب عليه الواجبات، وأهلاً
لأن تعتبر افعاله وأقواله، وتترتب عليها آثارها شرعاً، ولا يسقط عنه أيُّ
واجب مما يكلف به المكلف شرعاً.
وهو ايضاً كالنسيان في اعتباره عذراً بالنسبة للمؤاخذة الأخروية؟ لأن اللّه
سبحانه لا يؤاخذُ إلا على القصد وإرادة الإثم، واما ما وقع على غير الإرادة
فهو عفو عند اللّه تعالى.
وامّا بالنسبة للأحكام الدنيوية في حقوق العباد في معاملاتهم فليس
عذراً، فإذا عقد الإنسانُ عقدأ أو باشر تصرفاً أو جنى جناية واعتذر بأنه وقع
ذلك منه خطأ على غير إرادته لا يقبَلُ عذره، وتترتب الاثار الشرعية على
أقواله وأفعاله؟ لأنَّ الخطأ كالنسيان من الأمور الباطنة المتعلقة بالقصد
والإرادة، ولو فتحنا بابَ الاعتذار بها في حقوق الناس فتحنا باب الإدّعاء،
واختلفت معاملات الناس، وضاعت حقوقهم، فلو قال رجلٌ لاَخر: بعتك
ساعتي، وقال الاَخر: قبلتُ؟ انعقد البيعُ، ولا عبرةَ بمَول أحدهما: إنَّ
ما تلفظتُ به جرى على لساني خطأً. وإذا أتلفَ مالاً وجب عليه ضمانُه،
ولا يقبل اعتذارُ 5 بأنّه أتلفه خطأ، وإذا قتل إنساناً خطأ يعاقَبُ، ولكن
155