كتاب عبد الوهاب خلاف الفقيه الأصولي المجدد

حقيقة: إنه بعد الحروب الصليبية وجدت في نفوس الكثيرين من العلماء
الغربيين روحٌ عدائية للإسلام والمسلمين، وقد تأثر بها بعض هؤلاء
المستشرقين، وتوارثوه خلفاً عن سلف، فهم إذا كتبوا فيما له مساسٌ
بالإسلام والمسلمين لن يستطيعوا أن يجرّدوا أنفسهم من هذه الروح
العدائية، وأذكر مثالاً لهذا كتاباً طبع في أوربة وأريد بحثه قبل أن يباح تداوله
في مصر، وكان موضوع الكتاب: ما في القراَن من اختلاف الروايات "
فالمؤلف يقول: قيل في مصحف أبي كذا، وفي مصحف عبد اللّه بن مسعود
لا توجد سورة كذا. . وكل ذلك لا يهام الناس بأنّ القرآن ترتيبه متغير أو غير
متواتر، ولهذا كنتُ ممن أشاروا بألا يدخل هذا الكتاب في مصر، وكانوا
قد طلبوا الإذن بذلك، وهو لا يزالُ في جمرك الإسكندرية.
وبعض المستشرقين يكتب الخطأ لا من سوء قصد، ولكن من جهل،
وأذكر مثالاً لهذا: حضرت محاضرة لمستشرق، وكان يتكلم بالعربية
الركيكة، ومما قاله: إن الفقه الإسلامي لا يعرف العقد الرضائي الذي يتم
بإرادة العاقدين واختيارهما، لأنه يسمى كلام أحد المتعاقدين إيجاباً، ظناً
منه أن إيجاب معناها الإلزام.
وقد علقت على هذا بالفرق بين الايجاب بمعنى الإلزام والايجاب بمعنى
الإثبات، وهو المقصود هنا. فبعض المستشرقين تصدر منه إخطاء عن سوء
قصد، وبعضهم تصدر منهم أخطاء عن جهل. ولهذا أقول بما قاله الاستاذ
حمودة: يجب الحذر في قراءة أقوالهم ".
وقال أيضاً في الرد على بعض المستشرقين: "وقد توهم بعضُ
المستشرقين وغيرُهم أنّ هذه المصادر (يقصد مصادر التشريع الإسلامي)
ليس فيها من المرونة والخصوبة ما يكفل حركة تشريعية متجددة وقوانين
وأحكاماً تتطور بتطور أحوال الناس، وتساير الازمان المتعاقبة، وتلائم
البيئات المختلفة. والذي أوهمهم هذا الوهم أنهم رأوا أن النصوص
التشريعية في القران والسنة نصوصٌ معدودة، والوقائع التي شرعت أحكامها
وقائع محدودة، وقدَّروا أنّ الشارع الإسلامي لا بدّ أن يكون قد راعى في
22

الصفحة 22